logo

logo

logo

logo

logo

التزجيج في العصور الكلاسيكية

تزجيج في عصور كلاسيكيه

-

التزجيج

مصطفى أحمد

 

لتزجيج في العصور الكلاسيكية

يُعرف التزجيج glazing لغةً بأنه عملية تحويل التراب إلى مادة صلبة غير متبلورة شبيهة بالزجاج خالية من أي بنية بلورية، إما عن طريق التخلص السريع من الحرارة؛ وإما إضافة المزيد من الحرارة؛ وإما خلطها مع إضافات. أما اصطلاحاً فهي عملية طلي الأسطح الخارجية من الأواني الفخارية بطبقة شبيهة بالزجاج يطلق على مادتها اسم الطلاء الزجاجي glaze، وذلك لإكسابها لمعاناً وبريقاً خاصاً يضفي عليها نوعاً من الجمالية؛ إضافة إلى دورها الوظيفي المتمثل بكتم نفوذية السوائل ضمن الأواني، وسهولة تنظيفها.

استخدمت تقنية تزجيج الفخار منذ عصر البرونز القديم؛ ولكنها اقتصرت على أوانٍ محددة وضئيلة العدد، وفي الألف الأول قبل الميلاد شاع استخدام هذه التقنية على نحو أكثر، كما في اللوحات المزججة في قصر آشور ناصر بال الثاني في نينوى، وفيما بعد في العصر البابلي الحديث كما في جدران بوابة عشتار في بابل.

قدح من العصر الهلنستي - سورية (حماة)

وفي العصر الكلاسيكي ترسّخت صناعة التزجيج على نحو أكثر، ولوحظت بوضوح في الأواني الفخارية المزجّجة بشكل متقن أكثر من سابقاتها في العصور القديمة، وذلك بعد التطور الحاصل في التقنيات المتعلقة بطرق التزجيج، كالسكب والطلي.

كانت البدايات الأولى لإنتاج مادة التزجيج في العصر الهلنستي معتمدة على الطلاء الزجاجي القلوي (ألكالين alkaline) المصنوع من مزيج رماد الصودا (كربونات الصوديوم) ورماد الخشب، وبودرة الزجاج، ورمل ناعم، وبعض الأكاسيد للتلوين؛ إضافة إلى بعض الماء، وذلك لعمل الطلاء الزجاجي الذي كانت الآنية الفخارية تُدهن به أو يُسكب فوقها، وذلك لإنتاج أوانٍ فخارية ذات سطوح لمّاعة وبرّاقة وملونة بألوان متعددة.

ويلاحظ في هذه الفترة استخدام اللون الأخضر على نحو واسع في التزجيج؛ إضافة إلى نسبة قليلة من الأواني التي زجّجت باللون الأصفر، وعثر على عدد من الأقداح والأوعية المزججة من العصر الهلنستي في المواقع الأثرية السورية؛ ولاسيما في حماة. ومن هذه الأواني قدح ذو عروتين حلقيتين مصنوع من الفخار الفاتح اللون، تم طلاء السطح الداخلي للقدح بسكب طلاء زجاجي شفاف رصاصي القوام، وتم غمس السطح الخارجي في طلاء زجاجي قلوي القوام، وذلك لإضفاء شيء من اللمعان والبريق على القدح، ومما يعزز حيوية طبقة التزجيج المشكلة فوق القدح لون الأرضية الفخارية الفاتحة اللون.

أما في العصر الروماني، فقد تم إعداد مادة الطلاء الزجاجي من مزج رماد الصودا، وبعض السيليكا silica (الناجمة عن جرش صخور الكوارتز أو الرمل)؛ إضافة إلى بعض الطين الممزوج بأكاسيد الحديد، وأحياناً كان يضاف إلى المزيج بعض الحبيبات الزجاجية الناعمة.

كان الانتشار الواسع لأواني التزجيج مقتصراً على نحو كبير على المناطق الشرقية من الامبراطورية الرومانية؛ أي في شرق البحر المتوسط، ونتيجة الانتشار الواسع لرقعة إنتاج هذا النوع من الأواني؛ ظهرت بعض المحاولات التي أدت إلى تطوير هذه الصنعة، ومنها ظهور آليات معيّنة لشي هذا النوع من الأواني بدرجة حرارة منخفضة، وإدراج الرصاص بوصفه مادة أساسية ضمن مادة التزجيج، والتي ظهرت بواكيرها في بداية القرن الأول الميلادي في مصر وشرق المتوسط؛ أي في الفترة الرومانية.

كانت تقنيات التزجيج تنتقل تباعاً نحو الغرب باتجاه أوربا في الفترة ما بين القرنين الأول والثالث الميلاديين (العصر الروماني)، وعادت هذه التقنيات فيما بعد في الفترة البيزنطية إلى الشرق بعد أن أُدخلت عليها تطورات واضحة وملحوظة.

في بداية القرن الأول الميلادي كان الفخاريون يستخدمون مزيج أكسيد النحاس القلوي في تزجيج أوانيهم، والتي تعطي اللون الأزرق أو الأزرق المُخضر لمادة التزجيج، ولوحظ ذلك على نحو جلي في الأواني المصنوعة في إيران، في حين كانت الألوان المعتمدة سابقاً في العصر الهلنستي مائلة إلى اللون الأزرق الفاتح أو الأبيض.

ومن بين الأواني المزججة التي عثر عليها في سورية؛ آنية فخارية عثر عليها في موقع دورا أوروبوس (ارتفاعها 25 سم تقريباً) تعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، طليت بمادة زجاجية قلوية؛ ملوّنة إياها إلى اللون الأخضر الشفاف، وطُبّقت في هذه الآنية طريقة دهان الطلاء الزجاجي فوق السطح الخارجي لها.

ومن بين النماذج أيضاً جرة فخارية مزججة عثر عليها في شماليّ سورية، عثر عليها في الموقع نفسه (دورا أوروبوس) من العصر الروماني؛ ولكنها ملونة بلون أزرق فاتح، وذلك بناء على نوع الأكسيد المضاف إلى مادة التزجيج.

أما في العصر البيزنطي؛ فقد شاع استخدام تقنية التحزيز (سغرافيتو) في الزخرفة المشكّلة فوق سطح الآنية، وتم تزجيج الأواني بعد تحزيزها بطلاء التزجيج، وتنوعت ألوان الطلاء ما بين اللون الأصفر والبني والزهري، وبدرجة أقل اللون الأخضر.

وفيما يتعلق بالمكونات الأساسية لمادة الطلاء الزجاجي، فهي تتكون من:

1. السيليكا (SiO2): وهي المكون الرئيسي للطلاء الزجاجي.

2. المُصهر flux: وهو أحد الأكاسيد المعدنية مثل أكسيد الرصاص، وهو من منشأ حمضي، أو أكسيد الصوديوم، وهو من منشأ قلوي، والهدف منه تخفيض درجة الانصهار في عملية تسوية الطلاءات.

3. المادة الرابطة: وهي المادة الحرارية التي تساعد على ربط الطلاء بسطح المشغولات الخزفية، وتؤدي أيضاً إلى عدم سيلانها على سطح المشغولات الخزفية في أثناء عملية التزجيج.

جرة مزججة باللون الأزرق من العصر الروماني
(سورية - دورا أوروبوس)
جرة مزججة باللون الأخضر من العصر الروماني
(سورية - دورا أوروبوس)

وللطلاء الزجاجي أنواع بحسب درجته اللونية، منها الشفاف الذي يتميز بأنه يظهر لون الطينة الطبيعي، ومنها المعتم الذي يتميز بأنه يغطي لون الطينة. ويتلون الطلاء بإضافة أكاسيد معيّنة تغير من لونه، حيث يتشكل اللون الأزرق مثلاً بإضافة أكسيد الموبالت، واللون الأبيض بإضافة أكسيد القصدير. ومن الطلاءات ما هو لامع وبراق ذو لون أو من دونه، وكذلك ما هو ضعيف البريق أو عديم اللمعة ذو لون أو من دونه. وتتنوع الطلاءات وفق درجة احتمالها للحرارة ووفق تراكيبها، ولكل منها مظهره الخاص وقوة احتماله وجماله الفني، وتراوح درجات الحرارة التي تُصهر فيها مادة التزجيج ما بين 900 – 1450 درجة.

مصطفى أحمد

 

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1040
الكل : 58491976
اليوم : 64490