logo

logo

logo

logo

logo

الجزر (تل-)

جزر (تل)

Gezer (Tell-) - Gezer (Tell-)

 جَزَر

جَزَر (تل -)

 

جزر Gezerمدينة كنعانية قديمة -وقيل إن اسمها جازر بمعنى شاهق- تقع على حافة سلسلة الجبال الممتدة بين القدس والساحل الفلسطيني، على مسافة ثمانية كيلومترات جنوب-غربي مدينة الرملة؛ وثلاثين كيلومترًا إلى الغرب من القدس، وتبلغ مساحتها ثلاثة عشر هكتاراً ونصف.

يدل موقع المدينة وتضاريسها الطبيعية على أهميتها البالغة في العصور القديمة، فقد انتشرت بقاياها الأثرية المدفونة على قمة تل ضيق طوله خمسة آلاف متر، وعرضه ألف وخمسمئة متر، يمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي، وهو شديد الانحدار من كل جوانبه.

ورد اسم المدينة في المصادر الأكادية Gazur، كما تردد اسمها عدة مرات في النصوص المصرية بصيغة Qdr. فقد ذكر الفرعون سنوسرت (1971-1935ق.م) أن رسله وصلت حتى جزر في فلسطين، كما ورد اسمها في لائحة المدن الفلسطينية التي استولى عليها عام 1469 ق.م الفرعون تحوتمس الثالث (1479-1425ق.م) ، وتبعت مصر منذ ذلك الوقت، واجتاحها رعمسيس الثاني (1290-1224 ق.م) في السنة الرابعة من حكمه، حيث عثر على تماثيله وآثاره فيها، وكذلك زمن ابنه مرنبتاح (1224-1214ق.م)؛ إذ وجدت فيها الساعة الشمسية التي تحمل اسمه؛ فضلاً عن ذكرها في عشر رسائل من تل العمارنة في النصف الأول من القرن الرابع عشر ق.م.

ورد ذكر اسم جزر بصيغة Gaz (ru) في نصوص الملك الآشوري تجلات-بلاصر الثالث (745-728 ق.م) الخاصة بإحدى الحملات التي وجدت مصورة في لوحة حجرية على جدران قصر الملك الآشوري في نمرود، وتذكر التوراة هذه المدينة في عدة مواطن. وقد عثر في موقع المدينة على عدة وثائق مكتوبة، من بينها حجر كُتب عليه «حدود جزر» يعود إلى القرن العاشر ق.م يذكر الاسم القديم قريبًا من الاسم الحالي، وكذلك الكتابات المعروفة بتقويم تل جزر من العصر الآشوري الحديث (القرن السابع ق.م).

كان عالم الآثار الفرنسي كليرمونت جانو Clermont Ganneauأول من اكتشف موقع جزر عام 1871م، ثم بدأ التنقيب في الموقع ستيوارت مكاليستر Stewart Macalister بين الأعوام 1902-1905م وبين 1907-1909م لمصلحة الصندوق الإنكليزي لاستكشاف فلسطين P.E.E.، وتبعه آلان رو Rowe Alanفي عام 1934م. ثم تابعت بعثة أمريكية العمل بين 1964-1974م برئاسة رايت Wright وديفر Dever وسيجر Seger.

يعود أقدم وجود للإنسان في موقع جزر - والذي ضم ستًا وعشرين طبقة- إلى العصر الحجري النحاسي في نهاية الألف الرابع ق.م، حيث عاش إنسان ما قبل التاريخ، ومارس حرق موتاه في كهوف واسعة حفرت في الصخر، واستمر السكن في الموقع إلى العصر الروماني.

المنطقة المرتفعة في موقع تل جزر: صخور ومسلات

غطت الموقع في العصر البرونزي المبكر في نحو عام 3200 ق.م مستوطنة غير مسورة، ثم دمرت المدينة في منتصف الألف الثالث ق.م، وسادت مرحلة انقطاع بين الأعوام 2400 و2000 ق.م. في العصر البرونزي الوسيط قامت مستوطنة كنعانية على القمة، امتدت بين 1800 إلى 1500 ق.م، وأصبحت جزر في هذا العصر مدينة رئيسة في المنطقة، وحصنت في عام 1650 ق.م أيام وجود الهيكسوس ]ر[ في فلسطين، فأحيط التل بجدار مرتفع متقن البناء سماكته أربعة أمتار، من الأحجار غير المشذبة، محمي بسور ترابي مغطى بالجص ومنحدر دفاعي، وفيه أبراج مستطيلة الشكل ضيقة تبرز عنه قليلاً، يبعد الواحد منها عن الآخر نحو ثلاثين متراً. وفي الجهة الجنوبية من السور كُشف عن ثلاث بوابات ضخمة مبنية من الآجر- وبنيت كل الأسوار والمباني الأخرى من الحجر- مع أبراج على الجانبين يبلغ ارتفاع الواحد منها حالياً خمسة أمتار، ولا بد أنها كانت أعلى من ذلك فيما مضى، كما عثر على سرير مصنوع من الحجر الكلسي.

انتصب صف من عشرة أعمدة جيرية ضخمة غير مشذبة تتألف كل منها من كتلة حجرية واحدة في المنطقة المرتفعة من المدينة (الأكروبول)، هي بقايا معبد المدينة، كان أطولها يبلغ ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار، ووجد أيضاً حوض حجري مربع الشكل، وتغطي أرضية المنطقة المحيطة بهذه الأعمدة طبقة خشنة من التراب المتماسك، وجدت تحتها مجموعة من الجرار الضخمة بها كمية من عظام الأطفال الذين كانوا يقدمون قرابين وذبائح، كما عثر على عظام حيوان الخنزير تحت حجارة المعبد، وقد وجد العلماء في وسط البقايا المتراكمة حول هذه الأعمدة لوحات خزفية للإلهة «عشتروت» ظهرت فيها المبالغة البدائية للأعضاء المؤنثة، وعلى مقربة من هذا المعبد يوجد كهف مزدوج ربما كان يستعمل في بعض الطقوس الخاصة بالمعبد.

نفق مياه كنعاني منحوت في الصخر في موقع تل جزر

وعثر في المدينة على مقبرة حوت عدة قبور غنية باللقى الجَنَزيّة؛ إضافة إلى جرار ملأى بالطعام والشراب بجوار الموتى، وكشفت الحفريات عن مجموعة من المنازل عثر فيها على عدد من الأواني الفخارية المصرية والحثية والقبرصية والتماثيل المصرية الأصل، والحليّ الذهبية والأختام التي هي على شكل الجِعلان، كما وجدت آثار للهيكسوس، ومنها أوانٍ فخارية ملونة وخناجر وفؤوس ونقش لاسم أحد ملوكهم، وهو «خيان» -الذي حكم مصر نحو عام 1620 ق.م- على لوحة طينية، ويبدو من طراز بوابة المدينة تأثير أسلوب العمارة المصرية فيها، وقد دُمّرت جزر في حريق هائل ربما على إثر حملة للفرعون المصري تحوتمس الثالث.

وبعد مرحلة انقطاع أخرى عادت الحياة إلى جزر في العصر البرونزي الحديث الثاني في النصف الثاني من الألف الثاني ق.م, فقد بنيت مدينة أوسع من السابقة على بقايا بوابة العصر السابق بعد تهدمها مع الجدار الحجري، وأصبحت طرقها ضيقة ومعوجة، وأحيطت بسور تحصيني جديد. كما ظهر في القرن الرابع عشر ق.م عدد من الأبنية المهمة، منها قصر في القسم الغربي المرتفع من التل؛ فضلاً عن قبر جماعي ضم ثمانية وستين هيكلاً مع كثير من الأشياء الثمينة والمستوردة. ويتضح من الآثار التي وجدت في هذه المدينة -مثل الجِعلان- أنها تعاصر حكم الفرعون المصري أمنحوتب الثالث (١٣٩٠-١٣٥٢ق.م). وفي أواخر عصر البرونز الحديث تراجعت المدينة، وتناقص عدد سكانها، ودمرت على الأرجح  خلال حملة الفرعون المصري مرنبتاح عام ١٢٠٧ق.م، وهو الفرعون الذي أطلق على نفسه لقب «محاصر جزر»، وأورد عبارة « قد أخذت جزر» في أنشودة النصر التي تمجد انتصاراته.

شيد في العصر الحديدي الأول في القرنين الثاني عشر والحادي عشر ق.م بناء ضخم على القسم المرتفع من المدينة (الأكروبول) حوى عدة غرف وباحة، وعثر فيه على حبوب قمح وحجارة لجرش الحبوب؛ مما يدل على أن البناء كان مخزناً للقمح، كما عثر على أوانٍ فخارية محلية وفلسطينية. وشهد العصر الحديدي الثاني في القرن العاشر ق.م تشييد مدينة محصنة استعملت فيها جدران المدينة السابقة ماعدا منطقة البوابة. وقد كشف في هذه المدينة عن عشرة بيوت متقنة البناء ذات أروقة داخلية، وهي محاطة بجدار دفاعي، كما عثر على بوابة ضخمة تضم عشر غرف مع جدار تحصيني مضاعف تشبه البوابات التي بنيت في مدينتي حاصور ومجدّو، كذلك عثر على مخازن للحبوب ومعاصر للزيت محفورة في الصخر. ودمرت هذه المدينة نحو عام ٩٢٥ ق.م على يد الفرعون شيشنق الأول (٩٤٠-٩١٩ ق.م). ثم هجرت المدينة لمدة من الزمن، وأعيد بناء البوابة بعدها بأربع غرف فقط، ثم دمرت جزر نحو عام ٧٣٤ ق.م على يد تجلات- بلاصر الآشوري (٧٤٥-٧٢٨ ق.م).

من أهم ما كشفت عنه التنقيبات في جزر نظام مياه كنعاني متطور يضم نفقًا ضخمًا منحوتًا في الصخر، بطول ثمانية أمتار وعرض أربعة أمتار وارتفاع سبعة أمتار، ويفضي - بوساطة طريق ثمانين درجة من الصخر الصلد- إلى كهف على عمق ثلاثين متراً تقريباً، وفيه ينبوع ماء؛ تحسباً لحصار قد يفرض على المدينة. وهذا النفق شديد الشبه بالنفق المعروف باسم نفق يبوس الذي أنشأه اليبوسيون القدماء؛ ليوصلوا المياه إلى داخل حصن يبوس من ينبوع جيحون، كما يوجد نظام مياه شبيه في مدن أخرى كنعانية مثل جنين وحاصور، إلا أن نفق جزر يمتاز بحجمه الأكبر وبتاريخه الأقدم من بين تلك الأنفاق، فهو يرجع إلى ألفي عام ق.م. وواضح من طبيعة البقايا المتراكمة التي تسد مدخل النفق أنه قد أهمل منذ عام ١٤٠٠ ق.م. وقد استخدمت فؤوس مصنوعة من حجر الصوان في حفره.

ومن بين الآثار الكتابية المكتشفة في تل جزر، لوحان مهشمان مكتوبان بالخط المسماري، وهما عقدان يخصان ملكية أرض، ويتضح من الأسماء المذكورة فيهما أنهما يرجعان إلى عامي ٦٥١ ق.م.، و٦٤٩ ق.م.، وهما من عهد الملك الآشوري الأخير آشور بانيبال (٦٦٩-٦٢٦ ق.م) عندما كانت فلسطين تحت سلطة الامبراطورية الآشورية.

إبراهيم توكلنا

 

مراجع للاستزادة:

-مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، الجزء الأول، القسم الأول (بيروت ١٩٧٢).

- R. A. S Macalister, The Excavation of Gezer, (London, 1912) .

- The Oxford Encyclopedia of Archaeology in the Near East 2, ed. Eric M. Meyers, Vol. 4, (New York, 1997), pp. 396-397


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1058
الكل : 58492359
اليوم : 64873