logo

logo

logo

logo

logo

جستنيانوس (الإمبراطور-)

جستنيانوس (امبراطور)

Justinian -

 جستنيانوس

جستنيانوس

(484 - 565 م)

 

 

هو فلافيوس جستنيانوس Flavius Justinianus أشهر أباطرة الروم البيزنطيّين ومعاصر كسرى أنو شروان أشهر ملوك الفرس الساسانيين. بلغت الامبراطورية الرومانية الشرقية في عهده ( 527 - 565م) أوج قوتها وعظمتها.

ولد في بدريانا Bederiana إحدى قرى دلماتيا لأسرة بسيطة من الفلاحين، متأثرة سطحياً بالحضارة الرومانية، وكان اسمه بطرس سباتيوس، ثم اتخذ اسم جستنيانوس بعد أن تبناه خاله القائد العسكري والامبراطور اللاحق جوستين Justinus (512-527 م) برعايته؛ فتلقّى تربية ممتازة على أيدي كبار الأساتذة في القسطنطينية فصار من أعظم رجال عصره ثقافة.

بدأ صعوده السياسي في عهد خاله فتقلد عدداً من المناصب الرفيعة توجها بالقنصلية عام 520م، وشارك الامبراطور جوستين في تحمل مسؤولية الحكم فمنحه لقب أوغسطس Augustus الذي ضمن له ولاية العهد، ثم خلفه على عرش الامبراطورية سنة 527م. ارتبط اسم جستنيانوس ارتباطاً وثيقاً باسم زوجته تيودورا Theodora (497-548 م) التي كانت من أشهر نساء عصرها وأكثرهن جمالاً وحصافة وذكاء. كانت تعمل ممثلة في المسرح والسيرك قبل أن يتعرف عليها جستنيانوس ويتزوجها. وقد توّجت معه على عرش القسطنطينية وأثبتت أنها جديرة بهذه المكانة الرفيعة، وظلت الزوجة الوفية التي شاركته حياته في السراء والضراء، فتمكنت بحزمها وثباتها من إخماد ثورة نيقا Nike عام 532م التي كادت تعصف بعرش جستنيانوس. كان لها دور كبير في شؤون الحكم والسياسة، وفاقت زوجها في إدراك أهمية الأقاليم الشرقية وضرورة رعايتها ولا سيما سورية ومصر، والتي كان يسود فيها معتقد الطبيعة الواحدة (المونوفيزية) Monophysitism التي يبدو أن تيودورا كانت من أنصارها. وتقول إحدى الروايات إنها كانت من أصل سوري (إذ جاء في الكتاب المسمى «كرونيك ميخائيل الكبير» أن مدينة دامان Daman الواقعة شمالي الرقة كانت مسقط رأسها).

سعى جستنيانوس إلى بعث أمجاد الامبراطورية الرومانية السابقة؛ وذلك باستعادة أقسامها الغربية من أيدي القبائل والممالك الجرمانية. وقد تمكن قائداه الكبيران بليزاريوسBelizarius ونرسيسNarses من القضاء على مملكة الفاندال في شمالي إفريقيا (533 - 534م) وتحرير إيطاليا من سيطرة القوط الشرقيّين (535-554م) وكذلك انتزاع جنوبي إسبانيا من أيدي القوط الغربيين (551م).

جستنيانوس مع حاشيته

كان عهد جستنيانوس بالنسبة إلى سورية من أقسى العهود في تاريخها؛ فقد كانت النجاحات التي حقّقها في الغرب في المقام الأول على حساب الولايات الشرقية ولاسيما سورية التي عانت الأمرّين من تجدّد الحروب مع المملكة الساسانية. وقبل اندلاع الصراع تسببت هزتان أرضيتان متتاليتان سنة 526م و528م في حدوث دمار كبير وخسائر بشرية جسيمة في مدن سورية. وكانت الهزة الثانية السبب في تسمية أنطاكية «ثيوبوليس» Theopolis أي «مدينة الله» تيمناً بالحماية الربانية كما يذكر المؤرخ البيزنطي تيوفانيس. وبدأ تقويم جديد في أنطاكية سنة 528م. وقد أشار المسعودي في تاريخه إلى أن اليونان كانوا يسمون أنطاكية مدينة الله.

وفي السنة نفسها هاجم المنذر أمير الحيرة سورية فتمكن الحارثة أمير الغساسنة من صدّه، ولكنه أعاد الكرة في السنة التالية ووصل حتى مشارف أنطاكية، وظل المنذر على مدى نصف قرن تقريباً يعدّ تهديداً خطراً لسكان سورية إلى أن لقي حتفه سنة 554م على يد الحارثة في إحدى المعارك قرب قنسرين (خلقيس). وكان رد جستنيانوس على هذه الغارات منح الحارثة لقب فيلارك Phylarchos أي زعيم القبائل العربية في بلاد الشام، والذي اقترن بمساعدات مالية كبيرة. واستغل الفرس كارثة الزلازل فأرسلوا جيوشهم برفقة المنذر وعبروا نهر الفرات ورابطوا عند حصن الجبول الذي احتلوه ثم تابعوا زحفهم غرباً فتصدى لهم قائد جيوش الشرق بليزاريوس عند خلقيس وأجبرهم على التراجع، فساروا باتجاه الفرات وتبعهم الرومان وجرت معركة حاسمة عند مدينة الرقة (كالينيكوس Kallinikos) سنة 531م انتصر فيها المنذر على جيوش الروم لكنه انسحب بعد ذلك عائداً إلى بلاده. وعقد جستنيانوس سنة532م «سلماً أبدياً» مع الملك كسرى بعد صراع دام خمس سنوات مقابل دفع (11) ألف من القطع الذهبية، ولكن هذا الصلح لم يدم طويلا ولم يشمل العرب المتحالفين مع كلا الطرفين، الغساسنة والمناذرة الذين دارت بينهم معارك طاحنة حول مناطق الرعي في سورية. وعندما تدخل جستنيانوس في هذا النزاع رأى كسرى أنو شروان (531 - 579م) في ذلك خرقاً للمعاهدة، وجهز جيشاً كبيراً قاده بنفسه، وهاجم سورية سنة 540م مستغلاً انشغال جيوش الروم في الغرب، واجتاح مدن سورية الواحدة تلو الأخرى فدمر حصن سورا وأجبر هيرا بوليس (منبج) على دفع فدية كبيرة، كما احتل مدينة بيرويا (حلب) وأشعل فيها النيران، ولاقت أنطاكية المصير نفسه فسبى أهلها واقتادهم كما يقول الطبري إلى أرض السواد حيث أسكنهم في مدينة كسرى أنطاكية قرب طيسفون. كما هاجم مدينة أفامية ونهبها وكذلك مدينة خلقيس ثم قفل راجعاً إلى بلاده، وكانت تلك من أشهر الغزوات وأكثرها تدميراً، ولقد كان احتلال أنطاكية عاصمة الشرق و سبي أهلها من الأحداث المشهورة التي تركت صدىً كبيراً في تاريخ المنطقة. واستمرت المعارك بين الفرس والروم وحلفائهما من العرب زمناً طويلاً، وأخيراً بعد عشرين سنة عُقدت معاهدة صلح بين الطرفين(562م )، والتي استمرت حتى أخر عهد جستنيانوس.

وقد تحدث عن وقائع هذا الصراع الدموي المؤرخ بروكوبيوس[ر] Prokopios القيساري مستشار بليزاريوس الذي أفرد له ثلاثة كتب من تاريخه تعرف باسم الحروب الفارسية (وخصص الكتب الأخرى للحروب ضد الفاندال والقوط).

دفعت هذه الأحداث جستنيانوس لتغيير سياسة الروم الدفاعية فاعتمد على الغساسنة في صد هجمات المناذرة، وقام بإنجاز الكثير من التحصينات في مدن سورية الكبيرة والصغيرة لحمايتها من التهديد الساساني- وكان قد أهمل الكثير منها ولم يعد له قيمة عسكرية- فأعاد بناء مدينة أنطاكية المدمرة وأحاطها بسور قوي وكذلك مدينة قورش، دعم أسوار تدمر العائدة إلى عهد الامبراطور ديوقليسيانوس Diocletianus (285 - 305 م)، ورمم أسوار أفامية المتهدمة كما أعاد تحصين وتجديد أسوار كل من سورا وسرجيوبوليس (الرصافة) ومنبج وسلمية وغيرها من حصون البادية السورية. ويمكن تتبع هذه الأعمال العمرانية من خلال المعطيات الأثرية والمصادر التاريخية. ويلاحظ في طريقة بناء ذلك العصر دمج العناصر العسكرية والكنسية بحيث صار من الصعب معرفة الفروق بين الأديرة المسورة والتحصينات العسكرية.

من أشهر أعمال جستنيانوس وأبقاها جمع القوانين الرومانية وتدوينها فيما أصبح يعرف باسم «مدونة جستنيانوسCodex Justinianus (أو مجموعة القانون المدني Corpus Iuris civilis المؤلفة من أربعة أقسام: القوانين Leges، المختار من مؤلفات الفقهاء Digestae، الشرائع Institutiones، المستجدات Novellae) التي تمثل تتويجاً للفكر القانوني القديم، والتي صارت مصدراً أساسياً للتشريع في أوربا وكثير من بلدان العالم. وكان لمدرسة بيروت الحقوقية وفقهائها إسهام كبير في هذه المدونة التي يفتخر جستنيانوس في مقدمتها بإنجازاته قائلاً: «لكي تحكم الدولة حكماً صالحاً في زمن السلم وزمن الحرب، لا يجد صاحب الجلالة الامبراطورية بداً من الاعتماد على ركنين: الأسلحة والقوانين».

كما قام بإصلاحات كثيرة في مجال الإدارة والحكم والقضاء ركزت كلَّ السلطات في يد الامبراطور وحكومته. كذلك سعى إلى توحيد العقيدة الدينية في الامبراطورية ومحاربة البدع والعقائد الأخرى ولكن المجمع الكنسي الذي دعا إلى عقده في القسطنطينية عام 553م لم يحقق النجاح المطلوب.

اهتم بالتجارة وطرق المواصلات لتجنب مرورها في بلاد الفرس وخاصة طريق الحرير، وشهد عصره معرفة سرّ صناعة الحرير التي كان يحتكرها الصينيون، وتم تهريب شرانق دود القز من الصين، فكان ذلك بداية انطلاق صناعة الحرير البيزنطية الشهيرة في القسطنطينية وأنطاكية وبيروت وغزة التي درّت على الدولة أرباحاً طائلة.

كما تميز عهده بازدهار الأدب والفنون وتشييد الأبنية الفخمة والكنائس وعلى رأسها أيا صوفيا Hagia Sophia في القسطنطينية التي تعد أروع إنجازات العمارة البيزنطية بهندستها وزينتها. مثلما تضم كنائس رافنا Ravenna في إيطاليا روائع أعمال الفسيفساء، ومنها تلك اللوحة الشهيرة التي تصور جستنيانوس مع زوجته تيودورا والحاشية الامبراطورية في غاية الفخامة والعظمة.

ويذكر بروكوبيوس في كتابه «عن الأبنية» De Aedificia أن جستنيانوس أصلح أكثر من ثلاثين كنيسة ورممها في القسطنطينية وحدها. كما تم في عهده تجديد كثير من الكنائس في مختلف مدن سورية وفلسطين التي هدمتها الزلازل والحروب وعلى رأسها كنائس أنطاكية وكاتدرائيتها وكذلك كاتدرائية أفامية وحلب وحمص والقدس وكنيسة المهد في بيت لحم وسواها.

وهكذا بلغت الامبراطورية قمة أمجادها في عهده، ومع أن حروبه في الغرب والشرق أنهكت قواها واستنزفت كثيراً من مواردها الاقتصادية والبشرية، فإن رؤيته التاريخية وتشريعاته والصروح العمرانية التي خلفها وازدهار الحياة الفكرية والفنية، إضافة إلى عهده المديد؛ جعلت من القرن السادس الميلادي قرن جستنيانوس بجدارة.

محمد الزين

 

مراجع للاستزادة:

- الباز العريني، الدولة البيزنطية (دار النهضة العربية، القاهرة 1982م).

- مدونة جستنيانوس في الفقه الروماني، ترجمة عبد العزيز فهمي (بيروت 1946م)0

- The Oxford Dictionary of Bizantium, (Oxford 1991) s. v. Justinian.

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1048
الكل : 58491675
اليوم : 64189