logo

logo

logo

logo

logo

الجسر في العصور الكلاسيكية

جسر في عصور كلاسيكيه

-

 الجسر

الجسر

 

 الجسر في العصور الكلاسيكية

الجسر هو العنصر المعماري الواصل بين أرضين، وفي اللغة الفرنسية pont وهي من الأصل اللاتيني pons وتعني الجسم أو الهيكل المستخدم للعبور بين ضفتي نهر، جاء وجود الجسر في حضارة الإنسان العمرانية تلبية لحاجة ربط المناطق بعضها ببعض وخصوصاً بين ضفتي نهر تسهيلاً لعمليات النقل والتنقل.

إن ظهور الجسر كعنصر معماري كان مع بدايات استيطان الإنسان قرب المنابع المائية، إذ إن عملية السقوط الطبيعي للأغصان والعيدان الخشبية أو الحجارة في مجرى السيل المائي شكلت معبراً طبيعياً للانتقال بين طرفي النهر. لكن تطور الخبرات التقنية للمجتمعات البشرية مكنت الإنسان من إيجاد وسيلة للتنقل بين جانبي النهر، وذلك من خلال تكديس ألواح خشبية مشدودة بعضها إلى بعض ومثبتة أفقياً على دعامات عامودية من العيدان القاسية أو الحجارة أو الآجر بحيث تتيح إمكانية العبور بين ضفتي النهر، ولاحقاً تمّ بناء قواعد على الأرض الصلبة تحمل أرضيات خشبية أو طينية أو حجرية لتشكل معبراً مرتفعاً يتيح إمكانية التنقل والنقل. ما لبثت التقنيات أن تطورت وتنوعت في طريقة تشكيل تلك المعابر والممرات فمنها ما بني على قناطر ذات شكل القوس النصف الدائرية التي تجتازها المياه الجارية والقوارب الصغيرة من خلال فتحتها، بحيث تكون تلك القناطر محمولة على قواعد من اللبن أو الحجارة، وتراوح أعداد القناطر وأحجامها تبعاً لطول المسافة الفاصلة بين الضفتين وتبعاً لغاية بنائها وقدرتها على تحمل أوزان كبيرة، ومنها ما أخذ شكل العتبة من الألواح الخشبية أو البلاطات الحجرية التي تعلو دعامات من اللبن أو الحجارة. بقيت غاية التنقل السبب الرئيسي لظهور الجسور لكن ذلك لم يمنع ظهور أنواع أخرى من الجسور لاستخدامها في عمليات نقل المياه من مصادرها إلى أماكن استعمالها، وذلك ساعد على تطور تقنيات بناء الجسور من حيث استخدام مواد تساعد على زيادة علو الجسر ومتانته ليصل إلى ارتفاعات كبيرة.

نموذج تخيلي لبناء الجسور الأولى

دلّت الجسور على تطور تقنيات العمارة في أثناء العصور الكلاسيكية لكن لم تجر تغيرات كبيرة على عمليات بناء الجسور في الفترات اليونانية والهلنستية بل استمرت التقنيات والأساليب الأولى المبنية على قواعد هندسية بسيطة من حيث الاكتفاء بالتقاليد المعمارية القديمة التي تعود إلى فترات عصور البرونز والحديد، والمثال الأهم الباقي والعائد إلى الفترة اليونانية الباكرة هو جسر أركاديكو Arkadiko المبني قرب مدينة تِرينسTiryns في الجنوب الشرقي لبلاد اليونان ويبلغ طوله نحو٢٢ م. لكن التطور الأهم في بناء الجسور جاء من الفترة الرومانية، إذ شهدت عمارة الجسور تقدماً ملحوظاً بغية تسهيل عمليات الربط بين سكان الامبراطورية وتوفير طرق جديدة للتجارة وعبر اجتياز الوديان المائية من أماكن مختلفة، وكذلك توفير ممرات لحركة القوات العسكرية الرومانية، وأيضاً زيادة الحاجة إلى نقل المياه إلى مسافات مختلفة. لذا تم إنشاء أعداد كبيرة من الجسور على امتداد أراضي الامبراطورية الرومانية حيث كان يتم تشكيل الجسر في الغالب من جزأين رئيسين:

الأول: القاعدة وهي غالباً قنطرة نصف دائرية واحدة أو أكثر تبنى من الحجارة أو اللبن، تستند كل واحدة منها إلى دعامتين بحيث تخرج القناطر من منتصفهما لتشكل مثلثاً مقلوباً قاعدته في الأعلى، وذلك لتوزيع كتلة السقف على الجانبين ومنها إلى الأرض. ويتم تكوين الدعامات من الحجارة أو الطوب المبني المتماسك لتوفير إمكانية حمل القنطرة و تحمّل وزن حجارة الطريق التي تعلوها.

الثاني: الأرضية وهي الجسم العلوي الذي يعلو سطح القنطرة، أو قد يأتي فوق الدعامات مباشرة، وهو طريق مرصوفة تنوعت مواد بنائها بين الحجر البازلتي أو الحجر الكلسي أو اللبن المرصوف وذاك تبعا للمنطقة الجغرافية.

تنوعت أشكال الجسور المبنية في العصور الكلاسيكية منها ما بني على نحوٍ يوازي سطح الأرض، ومنها ما كان محدباً تبعاً لعدد القناطر والفراغ الداخلي بين الدعامتين أو تبعاً لطبيعة الأرض على جانبي النهر.

بلغ بناء الجسور عند الرومان قمة تطوره على يد أبولودوروس الدمشقي[ر]Apollodoros الذي بنى جسراً حجرياً على نهر الدانوب بطول ١٠٧٠م، يرتكز على ٢٠ دعامة حجرية تبلغ المسافة فيما بينها ٥٠ حتى ٦٠م.

لكن أروع الجسور الرومانية أقيم على نهر تاجو عند القنطرة في إسبانية حيث يبلع ارتفاعه عن مجرى النهر ٥٤م، وتسير عليه الطريق الرومانية، وتبلغ مسافة القوس ٣٦م.

ومن الجسور الشهيرة أيضاً جسر بون دي جار Pont du Gard قرب مدينة نيم Nîmes الفرنسية، وهو جسر يتألف من ثلاث طبقات واستخدم جسراً للمشاة وحمل قناة المياه الذاهبة إلى المدينة.

بُني في سورية العديد من الجسور في الفترات الكلاسيكية وعلى نحو أساسي في الفترة الرومانية لكن بقاءها كان مرتبطاً بإمكانية الاستفادة اللاحقة منها، وبفعل عمليات التدمير الطبيعية، وبفعل التحولات التي طرأت على الطرق التجارية في أثناء الفترات التالية. ومن أهم الجسور المتبقية وتبعاً لتوزعها الجغرافي:

- شمالي سورية:

تنوعت أشكال الجسور في شمالي سورية تبعاً لعمق الوديان المائية التي فيها وعرضها، إلا أنها غالباً ما بنيت من الحجر الكلسي المحلي. من أهم الجسور المتبقية جسرا النبي هوري حيث يعود تاريخ بنائهما إلى القرن الأول وبدايات الثاني الميلادي وبقيا مستخدمين في الفترة البيزنطية والفترات الإسلامية. الجسر الأول بني على نهر الصابون، إلى الشرق من موقع النبي هوري (سيروس) على بعد ١.٥ كم، ويبلغ طوله ١٢٠م، والجسر مؤلف من ستة قناطر تعلوها أرضية حجرية مرصوفة، حيث يأخذ الجسر شكلاً محدباً.

أما الجسر الثاني: بني على مجرى نهر عفرين، إلى الشرق من الجسر الأول، يبلغ طوله ٩٢ م، وهو مؤلف من ثلاث قناطر كبيرة تعلوها طريق مرصوفة. ويأخذ الجسر شكلا محدباً أيضاً.

جسر من العصر الروماني على نهر عفرين - حلب
جسر من العصر الروماني على نهر الصابون عفرين- حلب

- وسط سورية:

لم تستمر الجسور الرومانية التي بنيت في منطقة حوض العاصي والبادية التدمرية إلا فيما نذر، فهناك مثلاً جسر البيضا الذي يبعد ٥٥ كم إلى الغرب من مدينة حماه، والمكون من ثلاث قناطر مبنية بحجارة كلسية وبازلتية متنوعة الأحجام، تعلوها طريق مرصوفة بالحجارة الصغيرة، ويأخذ الجسر شكلاً مستوياً موازياً لسطح الأرض. ومن الواضح أيضاً الاستخدام الكبير للقنوات المائية الظاهرة والمرتفعة فوق سطح الأرض المشَكلة من طابق أو طابقين من القناطر، والتي استخدمت في أعمال نقل المياه من منابعها إلى الأراضي الزراعية، والقنوات في مدينة حماه وريفها من أهم الأمثلة على ذلك.

جسر روماني في محردة

- جنوبي سورية:

بنيت الجسور الرومانية في جنوبي سورية من الحجر البازلتي المحلي في الغالب، حيث أقيمت دعاماتها على الصخر الطبيعي لتشكل معبراً فوق الأودية المائية في جنوب غربي سهل حوران. ومن أهم الجسور الباقية جسر خرابة الذي يقع إلى الشمال الغربي من مدينة بصرى على وادي الزيدي أحد روافد نهر اليرموك، ويبلغ طول الجسر ٣٨ م، ومكون من ثلاث قناطر نصف دائرية، ومبني من حجر بازلتي محلي. وكذلك هناك جسر الطيبة على مجرى نهر الزيدي أيضاً، يبلغ طول الجسر ١٤ م وارتفاعه ١٠.٥م، ويتكون من قنطرتين من الحجر المبني المتنوع الأحجام.

جسر الطيبة من العصر الروماني على وادي الزيدي - درعا

وهنالك أيضاً جسر نميرة الذي يقع إلى الشمال الشرقي من مدينة شهبا، والمبني فوق وادي الليوى من حجارة بازلتية محلية، يبلغ طوله نحو ٢٥ م، ومكون من ثلاث قناطر نصف دائرية، و هناك جسور أخرى مثل جسر جمرين وجسر الرقاد و جسر تسيل وجسر الصنمين.

مصطفى السكاف

 

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1037
الكل : 58492698
اليوم : 65212