logo

logo

logo

logo

logo

التوريزي/التيروزي (جامع-)

توريزي/التيروزي (جامع)

-

 التوريزي

التوريزي (جامع -)

 

 

يقع جامع التوريزي في مدينة دمشق في محلة قبر عاتكة براس الشويكة، ويعرف باسم التيروزي وكذلك التيروزية. ذكره النعيمي في حديثه عن التربة التوريزية؛ أن الأمير غرس الدين خليل التوريزي الدستاري صاحب الحجاب بدمشق قام بإنشاء الجامع فيها.

والجامع من مشيدات العصر المملوكي، تم البدء ببنائه سنة ٨٢٣هـ/١٤٢٠م، كما يشير النص الكتابي المنقوش على الساكف الحجري الذي يعلو بابه؛ «أمر بإنشاء هذا الجامع المعمور بذكر الله تعالى المقر الغرسي خليل التوريزي تقبل الله منه في خامس وعشرين جمادى الآخر(ة) سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة»، وانتهى البناء كما ذكر الأسدي سنة ٨٢٥هـ/١٤٢١م، أما المئذنة فتقع شمال الجامع ويفصلها عنه زقاق له اسم الجامع نفسه، وقد شيدت سنة ٨٣٤هـ/١٤٣٠م، أي بعد بناء الجامع بتسع سنوات، ولعل هذا التأخير قد أدى إلى أن تكون المئذنة منفصلة عن الجامع وبينهما الزقاق، إلا أن التربة والجامع والمئذنة تؤلف وحدة معمارية متماسكة، يتممها الحمام [ر. التوريزي (حمام-)].

الموقع العام لجامع التوريزي

أقيم الجامع والتربة لصيقه بالمداميك الحجرية ذات اللونين المتناوبين، الأسود والأبيض (الأبلق)، وللواجهة الرئيسية الشمالية (التي يقع على يسارها مدخل الحارة المعقود) جزءان؛ الأول متقدم يقع المدخل في أقصى يساره، وتشكل زاوية غرفة الضريح الغربية نهايته من اليمين، والمدخل يتألف من قوصرة مرتفعة معقودة بعقد ثلاثي الفصوص، تأخذ مداميك الأجزاء الجانبية فيها الشكل الشعاعي، أما العلوي فيحوي تكويناً زخرفياً من مقرنصات بسيطة بثلاثة صفوف، تعلوها طاسة بسيطة محززة، وتحت هذه العناصر شريط كتابي منقوش، يوجد أسفله شريط مزرر ممتد على طول الواجهة الرئيسية للجامع، وتحته ثلاثة مداميك، وفوق باب المدخل ساكف يحمل نصاً منقوشاً يشير إلى تاريخ بدء البناء في سنة ٨٢٣ هـ/١٤٢٠م. ويطل هذا الجزء من الواجهة على الشارع بنافذتين (إحداهما لغرفة الضريح) تقبع كل منهما ضمن تجويف تزييني، وتتمتع تلك التجاويف بأقواس حدوية مزدوجة، ويفصل بينهما نطاق من الدلايات (النوازل)، وعلى منسوب هذه الأقواس وبين النافذتين حشوة قرصية تزيينية.

واجهة جامع التوريزي
جامع التوريزي ومئذنته والزقاق بينهما
مدخل جامع التوريزي وعناصره التزينيية

أما الجزء الثاني المتراجع من الواجهة فيضم في أقصى اليسار أيضاً مدخلاً وعلى يمينه نافذة إلا أنهما أبسط بكثير من المتواجدة في الجزء الأول المتقدم، وينتهي هذا القسم من اليمين بقوس وسائدية الشكل تعلو نافذة مصمتة. إن الفرق بين منسوبي الواجهة خلق ضلعاً جديدةً تبدأ من الطرف الجنوبي للشباك الغربي لغرفة الضريح إلى نهاية زاوية غرفة الضريح الشمالية الغربية، ولا يحتوي هذا الجزء سوى على النافذة المذكورة.

اللوحة التأسيسية على ساكف باب جامع التوريزي

يتم الدخول إلى الجامع عبر المدخل الرئيسي المذكور بالواجهة الشمالية، والذي يفضي مباشرة إلى صحن غُطي سقفه بالخشب العجمي، وتتوسط أرضيته بحرة صغيرة قليلة الارتفاع، شكلها مربع مبنية من الحجر المزي، جدران هذا الصحن من الحجر الأبلق، وعلى المدماك الأبيض الذي يشكل ساكف باب الدخول والمداميك الثلاثة البيضاء التي تعلوه، وعلى امتداداتها على الجدران في الجانبين الشرقي والغربي؛ نقشت وقفية الجامع (ويقدر طول الكتابة بنحو ١٠٠ متر). تتقاطع مع الأشرطة الكتابية في منتصف الجدار الشمالي للصحن المغطى (المتضمن باب الدخول)؛ مداميك الأبلق المشكلة للقوس التي تعلو النافذة في هذا المكان، وتكسو الجدران في هذا الصحن فوق منسوب أعلى مدماك منقوش من المداميك الأربعة الكلسة العربية البيضاء.

يفضي الصحن المغطى إلى حرم الجامع المؤلف من ثلاثة أروقة (نسبة عرض كل منها إلى طوله واحد إلى ثلاثة) يفصل بينها صفان متوازيان من العقود (شكلها أقرب إلى شكل حدوة الفرس). يتألف كل منهما من ثلاثة عقود متساوية، وتقوم على أعمدة مربعة مبنية بطريقة الأبلق من مداميك الحجر البازلتي الأسود والكلسي الأبيض، أما الحجر الذي يعلو هذه الأقواس فهو من الكلس الأبيض، كما هو حال جدران الحرم.

أما سقف الحرم فهو جملوني خشبي للرواق الأوسط، في حين يكون خشبياً تقليدياً مستوياً مع ميل باتجاه الأطراف الخارجية لكلا الرواقين الجانبيّين.

الواجهة الرئيسية لجامع التوريزي
المسقط الأفقي للجامع
مقطع في جامع التوريزي والتربة

ويمتد الرواق الشمالي متطاولاً عن الرواقين الآخرين بمسافة تقرب مجاز القوس في كلا الاتجاهين الشرقي والغربي، يفضي شرقاً من خلال باب إلى غرفة مربعة يتم الصعود منه إلى غرفة الإمام.

يتم الدخول من الرواق الوسطي من خلال باب في الجدار الغربي للجامع إلى الميضأة، وتتوسط الميضأة بركة مربعة مبنية بالحجر المزي أيضاً، ولكن أكبر من تلك المذكورة سابقاً، ويتم الدخول من الميضأة من خلال باب في جدارها الشمالي إلى المطاهر، ومن باب في جدارها الجنوبي إلى فسحة، وتتضمن هذه الفسحة في جدارها الجنوبي محراباً حجرياً صغيراً مبنياً من الأبلق بالحجر المزي والأبيض الكلسي يعلوه شريط حجري مزرر يعلوه شريط حجري محفور بشريط زخرفي مجدول، وتستعمل هذه الفسحة مصلى صيفياً.

الصحن المغطى الذي يحوي نص وقفية جامع التوريزي
نص وقفية جامع التوريزي جدران الصحن المغطى
حرم الجامع

يحدد المحراب الرئيسي للجامع عمودان أسطوانيان من الرخام في كل جانب، يعلوهما شريط كتابي مزين للمحراب، والذي تعلوه ثلاثة صفوف من المقرنصات من الحجر المزي، والتي تحقق الانتقال ضمن تجويف المحراب للطاسة التي تأخذ شكل نصف كرة مدببة، كما تزين صدر المحراب خمسة أشرطة زخرفية شاقولية من الرخام المشقف.

منبر الجامع أصلي بديع، وهو مشيد من الحجارة المزية الصقيلة، تزينه زخارف ونقوش كتابية من الآيات القرآنية من جوانبه كافة، مثله في ذلك مثل بقية سطوح الجامع التي تتميز بزخارفها الكتابية المفرطة، يتألف المنبر نفسه من تاج ومقرنصات وشرافات وقبة صغيرة حجرية تعلو جلسة الخطيب الخشبية.

تتحلى سطوح الجامع الداخلية بكسوة زخرفية إضافية من بلاطات القاشاني التي تغطي الجدران حتى ارتفاع ١.٥م، وهي بلاطات مسدسة الشكل ومزينة بنوعين أو بثلاثة أنواع من الأزهار.

أروقة حرم الجامع وأسقفها الخشبية
محراب جامع التوريزي
منبر جامع التوريزي

ويحتوي الجامع على تربة مُنشِئِهِ في حجرة على يمين المدخل، يتم الدخول إليها من الصحن المغطى، ويقود مدخلها في اتجاه منحرف قُصِد منه توجيه نظر الداخل مباشرة نحو قبر الأمير والعمامة الحجرية التي تعلو النهاية الغربية لجسمه، يجاوره ضريح آخر مجهول (ذُكِر خطأً بأنه قبر عاتكة). وتعلو التربة قبة نصف كروية مدببة ملساء تستند إلى مقرنصات جميلة بسيطة تساعدها على الانتقال إلى الطبقة العليا من الرقبة ذات اثنتي عشرة ضلعاً تنفتح فيها اثنتا عشرة نافذة معقودة، وتتألف الطبقة السفلية أيضاً من اثنتي عشرة ضلعاً تنفتح في ثمان منها نوافذ معقودة، أما بقية الأضلاع فملساء مصمتة.

قبة تربة التوريزي كما تبدو من الداخل

أما المئذنة فقد شبهها ولتسينجر بمئذنة العروس في الجامع الأموي، كما شبه بعضهم جذعها بجذع مئذنة جامع برسباي (الورد) في ساروجة فكلا الجذعين مربع مملوكي الطراز، وكلاهما مقسوم إلى طبقات، وكلتا المئذنتين مشيدتان في الفترة الزمنية نفسها وبينهما أربع سنوات.

ويمكن من حيث الشكل تمييز تسعة أقسام للمئذنة، حيث تتخذ المئذنة في بدايتها شكلاً مربعاً يمتد شاقولياً بالعرض نفسه على امتداد الأقسام الخمسة السفلية التي تفصل بينها وتحددها أفاريز بارزة.

مئذنة جامع التوريزي
الواجهة الجنوبية لمئذنة جامع التوريزي

وتتقلص المئذنة تدريجياً مع المحافظة على المقطع المربع، على منسوب الشرفة (الأمر الذي اقتضته الضرورة الإنشائية للشرفة والمطاف)، والدرابزين الخشبي للشرفة مزخرف وفوقه مظلة على غرار الشرفة، وتمتد المئذنة بالمقطع نفسه إلى ما يعلو المظلة بقليل، يعلوها الجوسق الذي يشكل جزأين من المئذنة فيأخذ الشكل المثمن في القسم السابع خالياً من أي عناصر عدا الإفريز الحجري المؤطر له من الأعلى، ليستمر الجوسق في القسم الثامن بالمقطع نفسه المثمن ولكن بأبعاد أصغر، تزين جدرانه نوافذ مصمتة معقودة أشبه بمحاريب بسيطة، ويعلوه إفريز حجري مؤطر، ثم تنتهي المئذنة في قسمها التاسع بقلنسوة ذات رقبة شبيهة بقلنسوات المآذن القاهرية، والمئذنة بهذا الشكل امتداد لعمارة المآذن الأيوبية في العهد المملوكي مضافاً إليها لمسات الفترة المملوكية.

نماذج بلاطات الخزف القاشاني في تربة الجامع وحرمه
نموذج لأحد تكوينات البلاطات الخزفية القاشانية في تربة الجامع وحرمه

يتميز الجامع باحتوائه على كسوة قيشانية تتألف من بلاطات مسدسة الشكل (يبلغ طول كل ضلع فيها مقدار ١٤.٥سم) ترتصف مع بلاطات صغيرة مثلثة الشكل ومتساوية الأضلاع كما أنها تزهو باللون الأخضر الفاتح، فينشأ من هذا الرصف تكوينات متتابعة للنجوم السداسية، وتتميز الرسوم بالرشاقة والتنوع، ويمكن فرز الأنماط المتنوعة لتشكيلات البلاطات القاشانية إلى أربع زمر، ويُلاحظ أن العنصر الغالب هو شكل الزهرة بأشكال متعددة متنوعة متضمنة الأزهار الاستوائية والخيالية منها، وأنواع الأزهار التي تلتوي فيها الخيوط وتتداخل بطلاوة، كما يمكن ملاحظة عروق وطحالب، فضلاً عن الحشائش التي تتدلى منها البراعم، ونبات السرخس والجدائل ونبات الإبل، ثم حبيبات اللؤلؤ التي تبدو مثل فقاعات الماء المنتشرة على سطح المستنقع، وغيرها من التشكيلات النباتية، كما يمكن تمييز رسومٍ لطائر الكركي المحوّر، وكذلك أباريق الماء، فضلاً عن العناصر الهندسية المكونة بالدرجة الأولى من نجوم سداسية تتحلى رؤوسها باللون الأبيض.

وتعد بلاطات القاشاني المذكورة من العناصر المهمة جداً التي تعطي البناء بعداً آخر من الأهمية، ومؤشراً مكملاً لغنى الجامع من الناحية الفنية والزخرفية، وتزين بلاطات الخزف القاشانية جدران غرفة الضريح والأجزاء السفلية من جدران الجامع الداخلية.

أحمد الدالي

مراجع للاستزادة:

- يوسف بن عبد الهادي، ثمار المقاصد في ذكر المساجد (مكتبة لبنان، لبنان ١٩٧٥م).

- عبد القادر الريحاوي، العمارة العربية الإسلامية خصائصها وآثارها في سورية (دار البشائر، دمشق ١٩٩٩م).

- عبد القادر بدران، منادمة الأطلال ومسامرة الخيال (المجمع العربي للتأليف والدراسات والترجمة، بيروت ١٩٨٦م).

- Gérard DEGEORGE, t: David RADZINOWICZ, Damascus, Éditions Flammarion, Paris, 2004.


التصنيف : آثار إسلامية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1044
الكل : 58492790
اليوم : 65304