logo

logo

logo

logo

logo

التبني

تبني

Adoption - Adoption

 التبنّي

محمد فخرو

 

إن أهم ما يميز حضارة سورية وبلاد مابين النهرين القديمة هو احترامها لحكم القانون، ويلاحظ وجود أوجه شبه في كثير من الأحيان فيما بين القوانين المختلفة في منطقة الشرق الأدنى القديم؛ مما يدل على التبادلات الحضارية والثقافية التي شهدتها العصور القديمة. ويكتسب موضوع التبني Adoption أهميةً خاصةً في كونه يسلط الضو على جانبٍ مهمٍّ من جوانب الحياة الاجتماعية في المجتمعات القديمة فيما يتعلق بتنظيم مسائل الإرث وعدم الإنجاب، كما التجأت بعض الأسر إلى التبني- على الرغم من وجود الأطفال - لتحقيق غايات مختلفة لها صلة بمفهوم العلاقة الاجتماعية داخل الأسرة، مثل كيفية تحقيق التوازن الاجتماعي والمالي بين أفرادها. فضلاً عن ذلك فإن دراسة موضوع التبني يوفر فرصة لتعرّف طبيعة قضايا التكافل والتضامن الاجتماعي التي كانت سائدة آنذاك.

كان التبني أمراً شائعاً عندما يكون الأب والأم بلا أطفال، أو أن أبنا هم تزوجوا، ورحلوا بعيداً عنهم خاصة. وكان التبني يشمل الذكور والإناث، وكانت هناك عدة غايات من تبني الذكور، أهمها:

١ ـ تبني وريث: وهو أكثر أنواع التبني شيوعاً؛ إذ كان يتم اللجو إلى تبني ذكر من قبل زوجين فقدا الأمل في إنجاب الأبنا ؛ لكي يقدم الدعم لهم في شيخوختهما مقابل الحصول على الإرث من عقارات وأملاك تعود إليهما.

٢ ـ تبني متدرب: في هذه الحالة يتبنى الحرفيُّ ابناً ليعلمه المهنة (الصنعة اليدوية)؛ ليستفيد من عمله، وإذا أخفق في تعليم ذلك الابن المهنة؛ فإن للابن الحق في مقاضاته وإلغا العقد.

٣ ـ تبنٍّ لإضفا الشرعية على الأطفال من أَمَة: كان يُلجأ أحياناً إلى التبني لعتق الرقيق أو الإقرار ببنوة الأبنا غير الشرعيين، وكان هؤلا لا يرثون مع أبنا الزوجة الشرعية إلا إذا تبناهم والدهم.

٤ ـ تبني صهر: فالرجل الذي أنجب بنتاً، ولم ينجب ذكراً؛ يستطيع - عند تزويج ابنته- أن يشترط على زوجها تبنيه، فقد عُثر على بعض النصوص التي تذكر تبني رجل كابن في البداية ريثما يُلزم أن يتزوج ابنة المتبني له.

وفي حالة تبني الإناث، فإن وثائق كثيرة تشير إلى أنه كان مألوفاً على الرغم من عدم وجود أحكام في القوانين تنظم هذا التبني، وكانت الفتيات يقدَّمن من قبل الآبا والأشقا أو الأوصيا ، أما إذا كنَّ راشدات فلهنَّ الحق في القبول أو الرفض، ومن أنواع تبني الإناث ما يجعلها ابنة أو ابنة وزوجة ابن (كنة)، ويتحقق ذلك عندما يتبنى شخص بنتا،ً ويدخلها في عائلته؛ لكي تكون فيما بعد زوجة لأحد أولاده. وهناك تبني الشقيقة، تبني العبيد، وتدل بعض النصوص على أن الراهبات العذارى عادةً ما يتبنّين بنات راهبات لرعايتهنَّ عند الشيخوخة.

كان التبني يتم قانوناً بمقتضى عقد مكتوب فيما بين العائلة التي تستقبل الابن متمثلة بالأب أو الأم أو الاثنين معاً؛ وبين ذوي الشأن (أهله الأصليين)، وهم عادةً أبو الطفل أو سيده إذا كان عبداً، وقد يكون أي شخص لديه سلطة على الطفل، وأحياناً كان العقد يتم مع الطفل المتبنى نفسه إذا لم يكن له عائلة ينتمي إليها.

يشترط في عقد التبني الرضا وعدم الإكراه بين الطرفين، ومخالفة مضمونه قد ترتب جزا ات صارمة على المخالف وبمجرد كتابة عقد التبني، يتم التسليم الفعلي للطفل، ومن هنا ينتقل هذا الأخير ليصبح تحت سلطة المتبني ورعايته، ويصبح ولداً شرعياً له، فيكتسب حقوق الإرث نفسها التي يتمتع بها الولد الشرعي، وينفصل عن كل ارتباط بعائلته الأصلية. وتذكر نصوص من ماري أن الولد المتبنى يُعدّ الوريث الأول، ويأخذ ضعف حصة كل وريث من أملاك والده، ويقسّم المتبقي بالتساوي بين إخوته الأصغر سناً.

وتقضي النصوص القانونية أن الأبوين الأصليين للطفل المتبني لا يمكنهما إعادة النظر في عقد التبني إلاّ إذا تم أخذ الطفل بالقوة والعنف. وكانت هذه النصوص تسمح لهما باسترجاع ابنهما في حالة عدم معاملة المتبنِّي له كابن شرعي. وفي حالة تخلي المتبني الحرفي عن واجباته بتعليم الحرفة للطفل المتبنى، أو إذا أخفق الطفل المتبنى في القيام بمهامه؛ فيمكن إلغا العقد عن طريق محكمة، كما أن العبيد الذين يتم تبنيهم لتحريرهم ينزلون مجدداً إلى مرتبة العبودية في حال تقصيرهم.

وإذا أنكر أحد طرفي عقد التبنّي الآخر يقع عليه جزا كأن يحرم الأب المتبني من بيته وأمواله أما الرجل الذي يتبنى ابناً، ويتزوج فيما بعد، وتكون له أسرته الخاصة؛ فيمكنه أن يفسخ العقد، لكن عليه أن يعطي الطفل المتبنى ثلث حصة ولد من أولاده من الأموال المنقولة فقط. أما إذا عقَّ وتنكّر المتبنى لأحد والديه بالتبني؛ فكان يواجه عقوبات بدنية قاسية، أو يصبح عبداً، ويباع.

كان نظام التبني واسع النطاق في مجتمعات المدن السورية القديمة مثل إيبلا، ماري، ألالاخ، أوغاريت، إيمار وغيرها. فنصوص إيمار تشير إلى أن المتبني كان يهتم بتربية من تبناهم وإعالتهم، أو إرسالهم إلى المدارس (بيت الألواح) للتعلم، فضلاً عن ذلك كان التبني وسيلة تكافل وتضامن اجتماعي، في حالة رعاية الأيتام ففي سنوات القحط كانت الأسر الميسورة تقوم بتبني بعض الأطفال وإعالتهم، وكانت هذه الحالات توثّق في المعابد.

وفي أوغاريت عثر على نص أكادي يتضمن عقد مؤاخاة (تبني امرأة لشخص كأخيها)؛ ليصبح الأخ الجديد ابناً للعائلة، ويدل مضمون العقد على المساواة والتكافؤ التام بين طرفيه ويشير هذا العقد إلى تشارك الطرفين في كل ممتلكاتهما، مع وجود حق فسخ العقد بينهما للطرفين معاً. فإذا كانت المرأة هي المبادرة إلى فسخ العقد ينبغي عليها أن تدفع غرامة مالية كبيرة إلى أخيها، وتقتسم معه أملاكها، أما إذا أراد الأخ فسخ العقد فلن يدفع أي غرامات، بل يترك البيت، ويرحل، وإذا مات أحدهما؛ فإن الآخر يأخذ كل ممتلكاته.

مراجع للاستزادة:

ـ نائل.حنّون، شريعة حمورابي (دار الخريف، دمشق ٢٠٠٥).

ـ أ. ش. شيفمان، مجتمع أوغاريت؛ العلاقات الاقتصادية والبنية الاجتماعية (دمشق ١٩٨٨).

-Wilfred VAN SOLDT, The Akkadian Legal Texts from Ugarit, in Hautes Études Orientales – Moyen et Proche-Orient 4,48 (Trois millénaires de formulaires juridiques), (Genève, 2010), pp. 85-124.


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58492079
اليوم : 64593