logo

logo

logo

logo

logo

البديري (تل-)

بديري (تل)

Al-Budairy (Tell) - Al-Budairy (Tell)

بديري (تل -)

عبد المسيح بغدو

 

يقع تل بديري  جنوب شرقي مدينة الحسكة على الضفة اليسرى لمجرى نهر الخابور، يمتد التل بطول 310م شمال- جنوب، و245م شرق- غرب، ويرتفع عن السهول المحيطة به اثني عشر متراً. وقد شمل التل بمشروع إنقاذ آثار حوض الخابور لكون موقعه في حوض الخابور الأوسط ضمن المنطقة التي كانت ستغمر ببحيرة سد باسل الأسد المُشيد جنوب شرقي مدينة الحسكة.

دلّت الكسر الفخارية المنتشرة على سطح التل على أن أقدم استقرار في الموقع يعود إلى دور حلف أي الألف الخامس ق.م، إلاّ أنَّ أعمال التنقيب لم تكشف عن أي بقايا معمارية من ذلك الدور. ومن خلال أعمال التنقيب المنهجي التي تمت في الموقع تبين أن العصور التاريخية التي مرت على الموقع هي: دور أوروك الأخير، العصر البرونزي القديم والمتأخر، والعصر الروماني، عصور الحضارة العربية الإسلامية. وتمَّ الكشف في الجهة الجنوبية من الموقع عن أقدم البقايا المعمارية العائدة إلى دور أوروك الحديث؛ وهي فرنان تم استخدامهما لصناعة الفخار، أحدهما بيضوي الشكل طوله 1.80م. وقد دلت هذه المكتشفات على وجود مشغل صغير لصناعة الفخار، مما جعل البعثة ترجح أنَّ الموقع كان قرية صغيرة في تلك الفترة.

مخطط لأبنية مكتشفة في الموقع
مخطط طبوغرافي للموقع

شهد تل بديري مع بدايات الألف الثالث ق.م ازدياداً مفاجئاً في حجم الاستقرار البشري ليتحول الموقع من قرية صغيرة إلى بلدة بلغت مساحتها ما بين ٥ و٦ هكتارات. وأمكن تحديد ٢٥ طبقة أثرية في مجس السبر الواقع في الجهة الجنوبية من التل. فبلغ سمك هذه الطبقات عشرة أمتار، وتعود الطبقات من ٢٥-٧ إلى العصر البرونزي القديم - عصر فجر السلالات- وعصر الدولة الأكادية. أما الطبقات ٦-١ فتعود إلى العصر البرونزي الحديث - عصر مملكة ميتاني- والعصر الآشوري الحديث. ولقد تمَّ الكشف في الطبقة ٢٥ عن جزء من سورٍ مبنيٍّ من اللبن بلغ طوله ١٧م وعرضه 2.40م يحيط بالمدينة من جميع الاتجاهات و يعود إلى عصر فجر السلالات الأول. كما عثر على جدار مبني من اللبن وأرضية مكسوّة بالطين في الطبقة ٢٤. وكشف في الطبقة ٢٣ عن قناة ماء مبنية من الحجارة بتقنية عالية تتجه إلى مركز التل مما يرجح أنها كانت تزود الموقع بالماء. وتم الكشف في الطبقة ٢٠ عن بقايا منزل مبني من اللبن؛ فُرشت أرضيته بطبقة من الجص، وأساساته مُشيدة من الحجارة.

ودلت المكتشفات الأثرية في المربعات التي تم التنقيب فيها في كل من الجهتين الجنوبية والشمالية من التل على وجود منشآت معمارية سكنية مبنية من اللبن تعود إلى العصر البرونزي المبكر؛ تتألف هذه المنشآت من بيوت تضم بعضها باحات مفتوحة، ويراوح عدد غرفها ما بين ٢- ٥ غرف صغيرة، وقد وجدت في داخلها مصاطب حجرية، وكانت أرضياتها والأجزاء السفلية من جدرانها ومصاطبها مكسوة بالكلس الأبيض. وهناك ممرات وشوارع ضيقة تفصل فيما بين البيوت وقد احتوت على مستودعات للعلف، وأخرى للمؤونة، وقبور للأطفال. عثر في هذه البيوت على جرار، كؤوس فخارية، صحون فخارية، عدد من المدقات المصنوعة من حجر البازلت، خرز، دمى طينية، أدوات برونزية، خرز من العاج. كما عثر على مجموعة من الجرار الفخارية التي استخدمت لأغراض متعددة مثل خزن المونة، الطبخ، الطعام، حفظ الماء، ووجدت في إحداها بقايا بذور القمح.

أعمال التنقيب في الموقع

من اللقى الأثرية المهمة التي تم الكشف عنها في الموقع والعائدة إلى العصر البرونزي المبكر أداة موسيقية مصنوعة من عظم كتف بقرة تُعدّ الأقدم من نوعها في سورية، وهي مُشكّلة من حزوز غائرة محفورة على أحد جانبي العظم تصدر أصواتاً إيقاعية عند تمرير شفرة عظمية أو معدنية فوق تلك الحزوز. ووجدت أيضاً ثلاثة أغطية طينية وجرتان ممهورتان بأختام وهي مشابهة لأمثلة من عصر جمدة نصر، وهناك أيضاً ثلاث كسر فخارية ملونة من نوع الفخار المسمى «القرمزي» المعروف خاصة في شمالي سورية من عصر فجر السلالات فضلاً عن أوانٍ فخارية ذات المقابض العريضة التي تشبه فخار عصر فجر السلالات الثاني والثالث المكتشف في تل خويرة [ر].

تم تعرف ثلاثة أنواع من البيوت دُعيت اصطلاحاً «البيوت المقسمة»، «البيوت المتراصة»، «البيوت المقببة». ففي الطبقة ١٤ ظهرت البيوت المقسمة، ويعدُّ هذا النوع من البيوت الأكثر انتشاراً في العصر البرونزي المبكر في شمالي بلاد الرافدين. تتكون بيوت هذا النوع من مدخل وفناء واسع وغرفة رئيسية، وكانت أرضية هذه الغرفة تفرش في أغلب الأحيان بمادة الكلس ويتوسطها موقد، فيما تتوزع المصاطب على ثلاثة أو أربعة جوانب من الغرفة. ومن الواضح أن الاقتصاد الرعوي كان عماد حياة قاطني البيوت المقسمة في العصر البرونزي القديم في شمالي بلاد الرافدين. أما بالنسبة إلى الجانب السياسي فيُرجح أن النخبة السياسية المدنية استخدمت نموذج البيوت المقسمة وسيلة لجذب الناس من الشريحة الرعوية الأكبر وتوطينهم في المراكز المدنية في الجزيرة السورية في أواسط الألف الثالث ق.م.

بقايا معمارية لمنشأة مبنية من اللبن

 

كُشف في الطبقة ١٢ على البيوت المتراصة، حيث تألف كل بيت من هذه البيوت من صف غرف غير متصلة يتم الدخول إلى كل غرفة بوساطة مدخل من الخارج، ويحيط بالبيت فناء فسيح يوجد فيه المستودع. وعُثر في الطبقة ١١ على البيوت المقببة وهي أكواخ طينية ذات سقوف معقودة من الطين؛ احتوت على موقد وأفران وتجهيزات أخرى ثابتة تشير إلى إقامة الأسرة على نحوٍ دائم. ووجد في البيوت المقببة سوران كبيران يحاذيان الفناء أمام المنزل لتوفير حماية مناسبة للحيوانات، كما حفظت بقايا التبن في الغرف لاستعمالها علفاً للحيوانات.

صورة جوية للموقع

كُشف في الطبقة ٩ عن جدار مضاعف مبني من اللبن مطلي بمادة الجص وتخترقه بوابة وفي أسفله أرضية مطلية بالجص، ويبدو أن الجدار يعود إلى بناء كبير هُجر ومُلأ باللبن كاملاً، وفي خارج السبر وعلى مستوى هذه الطبقة تم العثور على ثلاثة أوانٍ فخارية تعود إلى العصر البرونزي المبكر. وقد احتوت الطبقتان ٧-٦ على كمية كبيرة من الرماد امتدت على مسافة ٢٠ متراً من أسفل سور البلدة حتى خارج المنطقة السكنية. وكشفت البعثة في الطبقتين ٥- ٤ عن بقايا معمارية لبيت وجدت في داخله لقى فخارية تعود إلى كل من طراز الخابور الحديث و نوزي.

وعُثر في الطبقات العائدة إلى عصر مملكة ميتاني في الجهتين الجنوبية والشمالية من التل على منشأة معمارية ضمت مجموعة من المباني السكنية؛ غرفها أكثر اتساعاً من الغرف العائدة إلى العصر البرونزي المبكر، وتوجد شوارع تفصل فيما بين هذه المباني. وفي أحد البيوت الموجودة في الجهة الشمالية تمَّ الكشف عن غرفة مستديرة لها أساسات حجرية ضخمة، يُعتقد أنها كانت مستودعاً وعلى كسرة من رقيم مسماري في غرفة أخرى، وعلى مستودع آخر في الجهة الجنوبية وجدت في داخله كميات كبيرة من المواد المتفحمة، والكسر الفخارية.

 عثر على آثار العصر الآشوري الوسيط في الجهة الجنوبية من التل داخل حفرة مستطيلة الشكل، أبعادها 4.5 ×٦ م، عمقها ١١م، احتوت على ركام مختلط من أنقاض قصر ملكي؛ وفيها مجموعة من الرقم الأسطوانية الشكل التي تحمل نصوصاً مسمارية تأسيسية لقصر ملكي، إحداها بطول 20.5سم وعرض 5.9سم مثقوبة في وسطها. ومن خلال قراءة تلك الأسطوانات تبين أنها تتحدث عن تأسيس قصر من قبل أمير محلي اسمه آشور- كيتي- ليشر Assur- Ketti -Lesser يطلق على نفسه لقب ملك بلاد ماري، وكان تابعاً للملك الآشوري تجلات- بلاصر الأول [ر] ١١١٤- ١٠٧٦ق.م ، وهو لم يكن يحكم في بادئ الأمر إلاّ الإقليم الصغير لمدينة تابيتو القديمة (تل طابان)، وحاول توسيع منطقة نفوذه فاحتلَّ موقع تل بديري الواقع شمالي تابيتو وأسس فيه مدينة دعاها «دور- آشور- كيتي- ليشر».

رقيم مسماري أسطواني الشكل

أراد آشور- كيتي- ليشر بلقبه ملك بلاد ماري أن يبرر مطالبته بالسيادة مستشهداً بذلك بالفترة المزدهرة لمدينة ماري، وقد أدت محاولات الغزو التالية للحاكم الواسع الطموح إلى استياء الملك الأشوري مما دفعه إلى القيام بتدمير المدينة العائدة إلى العصر الأشوري الوسيط في تل بديري. لقد أكدت المكتشفات في تل بديري انتماء الموقع إلى المملكة الأشورية الوسيطة، وأن حوض الخابور الأوسط والأدنى شهد خلال ذلك العصر نهضة عمرانية كشفت عنها التنقيبات الأثرية في عدد من المواقع مثل تل الشيخ حمد (دور- كاتليمو قديماً) وتل طابان (تابيتو قديماً) وتل بويض.

تأتي أهمية تل بديري من خلال المكتشفات الأثرية التي حققتها البعثة في الموقع؛ إذ تبين أنه كان مركزاً مهماً في منطقة الخابور الأوسط والأدنى خلال العصر البرونزي المبكر، ففي هذا العصر شهد الموقع توسعاً كبيراً، ومن المحتمل أن يكون الموقع حينذاك محاطاً بسور. ويبدو أن السكنى دامت طويلاً بلا انقطاع خلال مرحلة طويلة في العصر البرونزي المبكر. غير أن الموقع لم يسكن في العصر البرونزي الوسيط، لكن السكنى عادت مجدداً في العصر البرونزي الحديث. وقد وجد فخار نوزي ضمن طبقتين معماريتين شغلتا مساحة صغيرة من الموقع. وقد هجر الموقع بعد العصر الآشوري الوسيط باستثناء معالم بسيطة لسكنى من العهد الروماني والعهد العربي الإسلامي.

مراجع للاستزادة:

- بيتر، بفالزنر ، «تقرير حول حفريات تل بديري ١٩٨٥»، الحوليات الأثرية العربية السورية، ٣٦-٣٧، ١٩٨٦-١٩٨٧، ص ص ١٨٣- ١٨٦.

- بيتر، بفالزنر، «مساكن عصر البرونز القديم في الجزيرة السورية»، وثائق الآثار السورية ١، دمشق ٢٠٠٢، ص ص ٢٥٣-٢٥٥.


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1039
الكل : 58492683
اليوم : 65197