logo

logo

logo

logo

logo

ترايانوس (الامبراطور-)

ترايانوس (امبراطور)

-

ترايانوس (الامبراطور -)

(٥٣ -١١٧م)

محمد الزين

 

ماركوس أوليبوس ترايانوس M. Ulpius Trajanus (ويعرف أيضاً باسم ترايان أو تراجان بحسب النطق الإنكليزي والفرنسي) أحد أعظم الأباطرة الرومان، وهو أول امبراطور من خارج إيطاليا، وصلت الامبراطورية في عهده إلى ذروة قوتها العسكرية واتساعها. ولد في إحدى المستوطنات الرومانية في جنوبي إسبانيا وتدعى إيتاليكا Italica الواقعة قرب مدينة قرطبة، من أب روماني وأم إسبانية في أسرة حديثة العهد بالإدارة والحكم. كان والده من القادة البارزين في عهد الامبراطور فسباسيان Vespasianus (٦٩-٧٩م) تقلد القنصلية عام ٧٠م ثم أصبح والياً على سورية عام ٧٥-٧٦م، حيث خدم ابنه تحت إمرته وشارك في حربه على البارثيّين ]ر[. تمرس ترايانوس بالقتال على جبهات الفرات والراين والدانوب وشغل مناصب رفيعة توجها بالقنصلية عام ٩١م.

عينه الامبراطور نرفا Nerva (٩٦-٩٨م) قائداً للجيوش الرومانية في جرمانيا العليا ووالياً عليها، ثم تبناه عام ٩٧ م ليخلفه على عرش الامبراطورية بعد وفاته في ٢٧/١/٩٨ م فكان بذلك أول الأباطرة بالتبني الذين تناوبوا على عرش روما في القرن الثاني الميلادي. وعند وصوله إلى روما رحب به الخطيب بلينيوس الأصغر]ر[ Plinius باسم مجلس الشيوخ الروماني بخطبة شهيرة عدّد فيها مناقبه وخصاله الحميدة وذكره بواجبات الحاكم تجاه رعيته بحسب تعاليم الفلسفة الرواقية، وبالفعل لم يخيب ترايانوس الآمال المعقودة عليه فقد مارس سلطاته باعتدال وعامل مجلس الشيوخ بتقدير واحترام واهتم بأمور الرعية والولايات.

اكتسب ترايانوس شهرة الامبراطور العسكري بحروبه المظفرة في الغرب والشرق وكانت أولاها حربه في داكيا (رومانيا اليوم) التي تمكن في حملتين عسكريتين كبيرتين بين عامي ١٠٢-١٠٥م من إخضاعها والقضا على هذه المملكة القوية - على المجرى الأدنى لنهر الدانوب- الغنية بمواردها الزراعية والمعدنية، وحولها إلى ولاية رومانية وعاد إلى روما بغنائم هائلة من الذهب والفضة مكنته من توزيع هبات سخية على المواطنين الرومان، وتشييد المباني الفخمة في العاصمة وإيطاليا، والتي لم يعرف لها نظير منذ أيام أغسطس[ر] Augustus، وأقام مرفأ كبيراً في أوستيا Ostia عند مصب نهر التيبر في البحر المتوسط، وشق الطرق وأنشأ القنوات والجسور والمباني الجديدة في جميع أنحا الامبراطورية.

وفي أثنا ذلك كان واليه على سورية كورنيليوس بالما Cornelius Palma (١٠٤-١٠٨ م) وهو أحد أشهر قادته العسكريين؛ يعد العدة للقضا على مملكة الأنباط فاستدعى إحدى الفرق العسكرية المرابطة في مصر لتعزيز القوات المرابطة في سورية، وسار على رأسها في هجوم مفاجى ومنسق على الأنباط من كل الجهات، وحقق انتصاراً كبيراً عليهم وضم أراضي المملكة، وحولها إلى ولاية رومانية باسم الولاية العربية Arabia Provincia، وجعل عاصمتها مدينة بصرى التي بدأت تقويمها في ٢٢ آذار عام ١٠٦م.

وقد عثر على مجموعة من النقوش (١١ نقشاً) في قنوات (Canatha) تعود إلى ولاية بالما تتحدث عن إقامة قناة لجر المياه إلى قنوات، كما تتحدث عن بنا معبد لحوريات الما في مدينة السويدا (Dionysias ).

لقد أراد ترايانوس من خلال قضائه على مملكة الأنباط السيطرة على الطريق التجاري القادم من جنوبي الجزيرة العربية المعروف بطريق البخور، وكذلك على الملاحة في خليج العقبة والبحر الأحمر لتزايد أهمية التجارة مع الهند والشرق الأقصى، وأعقب ذلك إنشا طريق روماني من دمشق إلى أيلة مروراً ببصرى الشام وجرش وعمان والبترا ورافقه إقامة خط دفاعي لحماية الولاية الجديدة. وهكذا صارت أهم مراكز التجارة عبر الصحرا تحت السيطرة الرومانية، كما أن التجارة البحرية نحو الهند كانت في أيدي الرومان منذ زمن بعيد فلا عجب أن جا ته بعثة من الهند تطلب صداقة الامبراطور الروماني.

وبعد هذه الانتصارات الكبيرة على الداكيّين والأنباط شرع ترايانوس في تحقيق حلم روماني قديم بالقضا على المملكة البارثية التي كانت أخطر أعدا الرومان في الشرق، وبدأ استعداداته عام ١١٣م في مدينة أنطاكية]ر[ ثم انطلق عام ١١٤م على رأس جيش كبير فاستولى على أرمينيا وحولها إلى ولاية رومانية، وزحفت قوات رومانية إلى أتروباتينا Atropatene (= أذربيجان حالياً) واحتلتها، وأعقبها احتلال شمالي بلاد الرافدين وأديابين]ر[ التي جعل منها ولاية ميزوبوتاميا Mesopotamia، وأخيراً جا الهجوم على قلب الامبراطورية واحتلال سلوقية دجلة والعاصمة طيسفون Ktesiphon والوصول إلى شاطئ الخليج العربي عام ١١٦م، ويروى أن ترايانوس وقف متحسراً لأنه لم يكن من شباب الإسكندر المقدوني حتى يتابع زحفه شرقاً نحو الهند . وهكذا حمل بجدارة لقب بارتيكوس Parthicus (أي قاهر البارثيّين) وكان أول امبراطور يحمل هذا اللقب.

ولكن سرعان ما قامت الثورات والاضطرابات في المناطق المفتوحة، واشتدت المقاومة البارثية مما اضطر ترايانوس إلى إرسال كبار قادته لقمعها، وفي طريق عودته إلى أنطاكية حاول الاستيلا على مملكة الحضر العربية فحاصر عاصمتها Hatra؛ ولكن قوة تحصيناتها وبسالة المدافعين عنها أرغمته على فك الحصار والانسحاب، وكان قد اشتد عليه المرض فقرر العودة إلى روما،ولكنه توفي في كيليكيا عام ١١٧ م وهو في طريقه إليها فأحرق جثمانه ونقل رماده إلى روما حيث أودع في قاعدة عموده الشهير. وكان قبل وفاته تبنى قريبه هادريانوس Hadrianus الذي خلفه على عرش الامبراطورية .

كان ترايانوس إضافة إلى مواهبه العسكرية إدارياً قديراً اهتم بأحوال المدن والولايات وتفقد أحوالها ومشاكلها، وتعد الرسائل التي تبادلها مع بلينيوس الأصغر- واليه على بيثينيا Bithynia في آسيا الصغرى- وثائق تاريخية قيمة تبين موقفه من أتباع الديانة المسيحية وحرصه على سير الأمور الإدارية على أفضل وجه . كما تابع مشروع الرعاية الاجتماعية (المعروف باسم أليمنتا Alimenta ) لأولاد الأسر الريفية الفقيرة، والذي يقوم على منح صغار المزارعين الإيطاليّين قروضاً ميسرة يعود ريعها إلى الأطفال اليتامى، ويعد هذا المشروع أقصى ما وصلت إليه الرعاية الاجتماعية في العصور القديمة .

استعان ترايانوس بالمهندس العبقري أبولودور الدمشقي]ر[ Apollodoros في تنفيذ مشاريعه العمرانية الفخمة وعلى رأسها الساحة العامة وسوقه العظيم Forum Traianum الذي فاق في اتساعه ومبانيه الفخمة كل الأسواق الامبراطورية السابقة، وكان يتوسطه مبنى البازيليكا مركزاً للأعمال التجارية والمالية . وأقيمت على طرفي السوق مكتبتان للمؤلفات اللاتينية والإغريقية، وقد انتصب في وسط الساحة عمود ترايانوس الشهير الذي يصور وقائع الحرب الداكية يتوِّجه تمثال للامبراطور وهو يحمل الكرة الأرضية؛ رمز السيادة على العالم. كان هذا السوق وملحقاته من عجائب المجمعات العمرانية في العصور القديمة .

كما تميز عهده بازدهار الأدبين الروماني والإغريقي وظهر أعظم المؤرخين الرومان وهو تاكيتوس Tacitus، وكذلك الأديب والخطيب بلينيوس الأصغر، والشاعر جوفينال Juvenalis، والمؤرخ والكاتب الكبير بلوتارخوس Plutarchos ]ر[، وغيرهم.

لم يقتصر نشاط ترايانوس على روما وإيطاليا وإنما شمل كل أنحا الامبراطورية فقد مدَّ حدود الولاية الرومانية في نوميديا (الجزائر)، وأمر عام ١٠٠م بإقامة مدينة تمجاد Thamugadi على سفوح جبال الأوراس وفق المخطط الهيبودامي مع منشآتها كافة من سوق ومسرح وشوارع عريضة مبلطة وحمامات وقوس نصر للامبراطور. كما أقيم معسكر للجيش الروماني في لامبازيس الجزائرية تحول بعد وقت قصير إلى مدينة مزدهرة مثل تمجاد واللتين تعد أطلالهما القائمة حتى اليوم من أروع الآثار الكلاسيكية في الجزائر.

وفي أثنا وجوده في أنطاكية عام ١١٣ م حدث زلزال رهيب سبب دماراً هائلاً في مناطق واسعة من سورية وأدى إلى هلاك كثير من سكانها ونجا منه الامبراطور بأعجوبة. فما كان منه إلا أن مدَّ يد العون لكل المدن التي نكبتها الزلازل وأمر بإعادة إعمار أنطاكية ومدَّ قناة مياه جديدة إليها من دفنة، كما أنه ساعد مدينة أفامية على إصلاح ما تهدم من أبنيتها ومنشآتها.

وفي عهده أعيد تأكيد حدود منطقة تدمر في قصر الحير وخربة البلعاس التي جا نقش منها يرسم الحدود بين حمص وتدمر، والذي يوثق نشاط ترايانوس فيها ميل طريق يعود إلى عام ١٠٩م.

لقد كان ترايانوس بلا شك أقدر وأكفأ الأباطرة الرومان منذ أغسطس، وقد وصلت الامبراطورية الرومانية في عهده إلى ذروة أمجادها العسكرية والحربية، لذلك أغدق عليه مجلس الشيوخ الروماني ألقاباً فريدة من قبيل «الأفضل والأسمى» Optimus et Maximus الخاصة بكبير الآلهة جوبيتر]ر[، وألقاباً تمجِّد انتصاراته مثل: «قاهر الجرمان والداكيّين والبارثيّين».

 

مراجع للاستزادة:

- محمد الزين، دراسات في الآثار الكلاسيكية: الآثار الرومانية (جامعة دمشق ١٩٨٥ ).

- The Oxford Classical Dictionary, 2nd Edition (Oxford 1970).

 


التصنيف :
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1048
الكل : 58492817
اليوم : 65331