logo

logo

logo

logo

logo

أنطونينوس بيوس (التقي)

انطونينوس بيوس (تقي)

-

أنطونينوس بيوس (التقي)

محمد زين

 

أنطونينوس بيوس Antoninus Pius اسمه الكامل كما يرد في النقوش: تيتوس إيليوس هادريانوس أنطونينوس بيوس (Titus Aelius Hadrianus Antoninus Pius) أحد أشهر أباطرة القرن الثاني الميلادي (138-161م) الذين عرفوا بالأباطرة الصالحين أو الأباطرة بالتبني وهو النظام الذي وصلوا بوساطته إلى سدة الحكم.

ولد سنة 86م لأب وصل إلى رتبة القنصلية يدعى أوريليوس فولفيوس Aurelius Fulvius، أسرته ثرية من طبقة الشيوخ جاءت إلى إيطاليا من إحدى المستعمرات الرومانية في جنوبي فرنسا (نيماوسوس Nemausus حالياً نيم Nîmes)، وبذلك كان أول امبراطور روماني من بلاد الغال. توفي والده وهو لا يزال طفلاً فنشأ في كنف جده لأبيه ثم جده لأمه الذي أخذ عنه اسمه أنطونينوس. تلقى تربية ممتازة تليق بطبقته الاجتماعية، وبدأ صعوده في سلم الوظائف العامة التي توجها بتقلده القنصلية عام 120م، كما تسلم منصب حاكم ولاية آسيا الصغرى عام 134- 135م، ثم صار عضواً في المجلس الامبراطوري الاستشاري، وأخيراً اختاره الامبراطور هادريانوس [ر] Hadrianus لخلافته فتبناه في الأشهر الأخيرة من حياته، على أن يتبنى بدوره كلاً من ماركوس أوريليوس Marcus Aurelius ولوكيوس ڤيروس Lucius Verus.

تسلم أنطونينوس عرش الامبراطورية وهو في الثانية والخمسين من عمره فكان أول أعماله استصدار قرار من مجلس الشيوخ بتأليه والده بالتبني الامبراطور الراحل والمصادقة على كل قراراته ومن هنا جاء اختياره لقب بيوس؛ أي (الابن) البار/التقي الذي التصق باسمه.

سار أنطونينوس على خطى سلفه العظيم في سياسته الداخلية والخارجية، ولما كانت الامبراطورية تنعم بالأمن والاستقرار فقد وجه عنايته إلى الأمور الداخلية. تمتع المجلس الامبراطوري في ظل حكمه بنفوذ كبير، وكانت علاقته بمجلس الشيوخ تقوم على الاحترام المتبادل، وقد اتصفت تشريعاته وأحكامه القضائية بالإنسانية والرحمة. وتنسب إليه إحدى أشهر القواعد القانونية القائلة: المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وكان حريصاً على أن تأخذ العدالة مجراها في كل أجهزة الدولة مؤكداً مبدأ المساواة أمام القانون. ألغى ضريبة التاج الذهبي بالنسبة إلى إيطاليا وخفضها إلى النصف بالنسبة إلى الولايات. اهتم بالأعراف والتقاليد فجدد العبادات والطقوس الرومانية القديمة. دعم صندوق الرعاية الاجتماعية وعمل على مساعدة الفتيات الفقيرات تكريماً لذكرى زوجته المتوفاة فاوستينا Faustina فعرفن باسم: فتيات فاوستينا. كما عمل على تشجيع العلماء والفلاسفة وفقهاء القانون الذين أطلق لهم حرية الحوار والنقاش. وقد جرى في عهده الاحتفال عام 147م بذكرى مرور تسعمئة سنة على تأسيس مدينة روما.

أما سياسته الخارجية فكانت دفاعية تماماً فقد أقام في بريطانيا عام 142م سوراً دفاعياً ثانياً إلى الشمال من سور هادريانوس عرف باسمه (سور أنطونينوس)، كما أكمل قوى الخط الدفاعي في جرمانيا (الليمس الجرماني).

وعلى صعيد الأوضاع في الولايات لم يسر أنطونينوس على نهج سلفيه العظيمين في زيارة الولايات وتفقد أحوالها، فهو لم يغادر إيطاليا على مدى حكمه الذي دام 23 سنة. ولعل هذا إضافة إلى طبيعته غير العسكرية كان من الأسباب التي أدت إلى اندلاع بعض الثورات والاضطرابات في مناطق مختلفة من الامبراطورية (في بريطانيا ونوميديا وموريتانيا وتراقيا ومصر) ولكن الجيوش الرومانية لم تجد صعوبة في القضاء عليها وإعادة الأمور إلى سابق عهدها.

اتسم عهد أنطونينوس في سورية بالهدوء والازدهار، والذي عكره نشوب حريق كبير في أنطاكية (ترد الإشارة إليه في سيرة الامبراطور)، كما أن ثمة رواية تقول إن انطونينوس أمر برصف الشارع الرئيسي المعمد في أنطاكية بأحجار الغرانيت الطيبي (نسبة إلى طيبة المصرية) على حسابه الخاص وكذلك كل الشوارع الأخرى، وقد جرى تخليد هذه المكرمة في نقش على نصب (مفقود اليوم) أقيم في إحدى بوابات المدينة. ومن المشاريع المنسوبة إلى عهده اكتمال الأعمال في الجزء الأوسط من رواق الشارع الرئيسي في مدينة أفامية كما يشهد على ذلك لوحة التدشين. وفي تقويم أعياد الجنود الرومان المرابطين في دورا أوروبوس [ر] Dura Europos يرد ذكر الامبراطور أنطونينوس بيوس الذي ينبغي تقديم الأضاحي له في عيد جلوسه على العرش.

لقد تعاقب على حكم سورية في عهده عدد من الولاة من أشهرهم ماركوس بونتيوس ليليانوس Marcus Pontius Laelianus الذي تولى حكمها في الأعوام 150-154م، والذي قام بالإشراف على ترسيم حدود منطقة تدمر [ر] Palmyra بناء على قرار يعود إلى الامبراطور هادريانوس (ولعله اتخذه خلال زيارته المدينة)، وتم تنفيذه عام 153م في عهد أنطونينوس بيوس، وقد عثر عام 1930م على نصب تذكاري باللغة اللاتينية في خربة بلعاس التابعة لمنطقة تدمر، وهو الذي يوثق هذا الإجراء ويبتدىء باسم الامبراطور وألقابه وسلطاته ومنها: الكاهن الأكبر والقائد المنتصر وأبو الوطن.

مات أنطونينوس عام 161م في الرابعة والسبعين من عمره تاركاً العرش لماركوس أوريليوس الذي تبناه وأشركه في الحكم، وكانت آخر كلماته: التروي والاتزان (aquanimus). وقد دفن في ضريح هادريانوس ورفعه مجلس الشيوخ إلى مصاف الآلهة وأمر بإقامة نصب تذكاري له في ميدان الإله مارس.

لقد أراد أنطونينوس أن يكون قيصر السلام، وكان في حياته وبعد مماته يجسد صورة الحاكم الصالح المثالي، ولذلك استوحى الأباطرة بالتبني اسمهم منه فعرفوا أيضاً باسم الأباطرة الأنطونينيين. ويكيل أحد أشهر خطباء عصره وهو إيليوس أرستيدس Aelius Aristides في خطاب له عن روما آيات المديح والثناء للامبراطورية الرومانية في عهده التي وحدت العالم ومنحته السلام والنظام وحققت الدستور المثالي الذي يجمع بين حسنات النظام الملكي والارستقراطي والديمقراطي، وقد وصف المؤرخ الكبير إدوارد جيبون Ed.Gibbon في كتابه الشهير "اضمحلال وسقوط الامبراطورية الرومانية" عهد أنطونينوس بيوس بأنه أسعد عهود الجنس البشري.

مراجع للاستزادة:

- سيد أحمد علي الناصري، تاريخ الامبراطورية الرومانية السياسي والحضاري، الطبعة الثانية مزيدة ومنقحة (القاهرة 1991)

- محمد الزين، محمد محفل، دراسات في تاريخ الرومان (جامعة دمشق، 1987).

- Maurice SARTRE ,D’Alexandre à Zénobie. Histoire du Levant antique IVe siècle av. J-C.-IIIe siècle après J.-C. (Paris, 2001).


التصنيف :
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1025
الكل : 58506686
اليوم : 79200