logo

logo

logo

logo

logo

إيسن ـ لارسا (عصر-)

ايسن لارسا (عصر)

Isin - Larsa (Period) -

إيسن - لارسا (عصر -)

سوزان ديبو

 

بعد سقوط سلالة أور الثالثة تحولت بلاد الرافدين كلها إلى مجموعة من الممالك المتنافسة التي كان يرأسها ملوك من أصول أمورية، وكانت إيسن ولارسا من أقوى تلك الممالك. وقد دامت هذه المرحلة لمدة تزيد على قرنين ونصف (من 2000 حتى 1760 ق.م)، وأطلق عليها اسم عصر إيسن-لارسا Période d’Isin-Larsa نسبةً إلى هاتين المملكتين البارزتين، ويقصد بهذا الاسم تحديداً القسم الأول من العصر البابلي القديم الذي انتهى بتمكن حمورابي - ملك بابل - من توحيد بلاد الرافدين كلها في دولة واحدة.

أسس سلالة إيسن إشبي-إيرّا Ishbi-Erra الذي يعود أصله إلى مدينة ماري [ر] في سورية، وكان حاكماً لمدينة إيسن (إيشان بحريات حالياً، في جنوبي العراق) تابعاً لآخر ملوك سلالة أور الثالثة إبّي-سين. ومنذ العام الثاني عشر من حكم إبّي-سين ابتدأ إشبي-إيرّا يستقل في مدينة إيسن ويؤسس سلالة له فيها؛ وذلك في ظل اضطراب أحوال امبراطورية أور بسبب تدفق الهجرات الأمورية من جهة والتهديدات العيلامية من جهة أخرى. وكان من أبرز ملوك هذه السلالة الملكان: إشمي- داجان Ishme-Dagan (1953-1935 ق. م) ولبت-عشتار Lipit-Ishtar (1934-1924 ق.م). وكانت نهاية سلالة إيسن في عام 1794 ق.م حين استولت عليها سلالة مدينة لارسا المنافسة. ومن الجدير بالذكر أن مملكة إيسن شملت في عصر ازدهارها نصف جنوبي بلاد الرافدين تقريباً وامتد نفوذها إلى دلمون [ر] (البحرين حالياً). وكانت اللغة السومرية هي اللغة الرسمية تقريباً في كتابات هذه المملكة.

تأسست مملكة لارسا عام 2025 ق.م من قبل نَبلانُم Naplanumأحد شيوخ الأموريين الذي استقل في حكمها مستغلاً سوء الأوضاع في دولة أور الثالثة. برزت لارسا على مسرح الأحداث الدولية في عهد جُنجُنُم Gungunum (1932-1906 ق.م) الذي لقـّب نفسه بلقب ملك سومر وأكاد. في عام 1834 ق.م أصبح وَرَد-سين Warad-Sin ملكاً على لارسا، وهو ابن ملك أموري آخر كان يحكم مملكة يموت-بعل في شرقي بلاد الرافدين، وخلفه على العرش أخوه ريم-سين Rim-Sin (1822-1763 ق.م) الذي ازدهرت المملكة في عهده واستطاع الاستيلاء على إيسن واسقاط سلالتها في عام 1794 ق.م، لكن سلالة لارسا سقطت هي أيضاً على يد حمورابي في عام 1763 ق.م، وواصل حمورابي حملاته للاستيلاء على الممالك الأخرى التي قامت في عصر إيسن-لارسا؛ وكانت جميعها تُحكم من قبل سلالات أمورية مثلما هو الحال فيما يخص السلالة التي جاء منها حمورابي نفسه.

من الممالك الأخرى التي قامت في عصر إيسن-لارسا في بلاد الرافدين وسورية؛ وحكمت فيها سلالات أمورية، ممالك: أشنُونا [ر] (تل أسمر في منطقة ديالى شرقي العراق)، آشور، بابل، أوروك، دير (شرقي العراق)، ملجيئُم Malgium (وسط العراق)، كيش، سبار، ماري، حلب، آلالاخ، حماة، أمورّو. وبعبارة أخرى: إن جميع السلات الحاكمة في هذا العصر كانت أمورية تحكم ممالك قامت على أرض بلاد الرافدين وسورية من ساحل البحر المتوسط غرباً إلى جبال زغروس شرقاً.

كان ملوك هذا العصر يتحدرون من أصول قبلية أمورية، ومن أشهر القبائل الأمورية التي تحدّر منها هؤلاء الملوك؛ أو أنها حظيت بنفوذ قوي في مناطق انتشارها يمكن ذكر: يموت- بعل، أمنانُم، يخرورم، خانا، سوتو. وكانت لغة التدوين هي الأكادية في حين بقيت الأمورية لغة محكية وغير مدونة، وفي الوقت نفسه ازداد استعمال السومرية خصوصاً في المملكتين الرئيستين إيسن لارسا. وقد استعملها ملوك هاتين المدينتين في كتابة نصوصهم، وأصدر لبت-عشتار - ملك إيسن- قانونه باللغة السومرية؛ بل إن حمورابي استعمل السومرية في تدوين بعض نصوصه. وإذا كان عصر إيسن-لارسا من الناحية السياسية عصر دويلات- مدن وليس عصر الدولة المركزية الواحدة فإنه كان من الناحية الثقافية والمعرفية عصر ازدهار متميزاً من بين جميع العصور التاريخية لحضارة المشرق العربي القديمة.

ازدهرت الحياة الفكرية والثقافية في عصر إيسن-لارسا الذي شهد حركة تأليف وتدوين واسعة، وظهرت فيه أهم النصوص والمؤلفات الأدبية سواء كانت سومرية أم أكادية. ولم تقتصر مدونات العصر على الأدب والمدونات الملكية وإنما ظهرت فيه أهم القوانين مثل قوانين لبت-عشتار وقوانين مملكة أشنونا، ووصلت هذه القوانين إلى ذروتها في صدور شريعة حمورابي الشهيرة. وبرز نشاط كبير في إصدار المعاجم اللغوية والمعرفية والنصوص الرياضية والفلكية، وكان التوسع الكبير في التدوين بحد ذاته من المنجزات المهمة التي تميز هذا العصر.

إذا كان عصر إيسن-لارسا يتميز بطابع ثقافي خاص به فإن بعض جوانب العمارة بقيت خلاله محافظةً على التقاليد المعمارية للعصور السابقة، ففي مجال العمارة السكنية لم يحدث تطور ملحوظ عما كان سائداً في عصر سلالة أور الثالثة؛ إذ حافظت البيوت على مخططات سابقاتها، في حين طرأ تغير في مجال العمارة الدينية؛ ذلك أنه لم تعد المعابد تبنى وفقاً لمخطط الصالة الطويلة ذات المدخل الجانبي وإنما اتُبع مخطط جديد ذو فناء مركزي تحيط به الحجرات وأصبح هذا النموذج طرازاً ثابتاً لمعابد العصر. ومن أشهر هذه المعابد: المعبد الرئيس في "لارسا أي- بابار" (E-Babbar) المخصص للإله شمش في وسط المدينة، ومعبد عشتار كيتيتوم Ishtar-Kititum في إشجالي (في منطقة ديالى). أما القصور فقد اتبعت تقاليد العمارة الرافدينية؛ إذ تتألف من جناحين رئيسين عام وسكن خاص مع وجود باحة تفصل ما بينهما، وهذا ما يتضح في قصر نور-أدد Nur-Adad الذي يتشابه مع قصر ماري، وكلاهما يعودان إلى هذا العصر.

مراجع للاستزادة:

- D. O. EDZARD, Die Zweite Zwischenzeit Babyloniens, (Wiesbaden, 1957).

- Jean- Louis HUOT, Une archéologie des peuples du Proche-Orient†: des hommes des palais aux sujets des pre­miers empires (IIe-Ie millénaire av. J.-C.), Tome II, (Paris, 2004).

- J. J. GLASSNER, La Mésopotamie. Société d’édition,“ Les Belles Lettres”, (Paris, 2002).


التصنيف : العصور التاريخية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1040
الكل : 58492002
اليوم : 64516