logo

logo

logo

logo

logo

ابن شداد (عز الدين محمد-)

ابن شداد (عز دين محمد)

Ibn Shaddâd ('Izz Al-Dîn Muhammad-) - Ibn Shaddâd ('Izz Al-Dîn Mouhammad-)

ابن شدّاد (عز الدين محمد -)

(613-684هـ/1217- 1285م)

نجدة خماش

 

عِزّ الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم بن شدّاد الأنصاري الحلبي المؤرخ.

لا يُعرف شي عن حياة ابن شدّاد الأولى، فقد جا َت تراجم من ترجم له من المؤرخين موجزة على الرغم من شهرته وعلمه وأدبه وسعة ثقافته، ولولا الظلال القليلة التي نثرها في تضاعيف كتابه "الأعلاق الخطيرة" التي كان يتحدّث فيها عن نفسه، والتي كشفت زوايا ذات أهمية من حياته لَمَا وجد في التراجم التي كتبها عنه مترجموه ما يَروي غليلاً ولا ينير سبيلاً.

ذكر ابن شداد في مقدمة كتابه أنه وُلِد في حلب وعاش فيها، ولبث مقيماً فيها في خدمة السلطان الأيوبي إلى سنة 657هـ/1259م حيث توجه إلى الديار المصرية في ظل السلطان الملك الظاهر بيبرس (658-676هـ) الذي رفع من شأنه، وحفظ له مقامه، وأنعم عليه، وقد قابل ابن شداد إحسان الظاهر بالشكر والامتنان، وترجم شكره بتأليف كتاب في سيرته الشخصية، سمّاه "الروق الزاهر في أخبار الملك الظاهر"، وصنف له أيضاً "الأعلاق الخطيرة في ذكر أمرا الشام والجزيرة".

مكث ابن شدّاد في كنف الظاهر بمصر قرابة عشر سنوات، فلما عاد الملك الظاهر بيبرس إلى الشام سنة 669هـ/1271م عاد في صحبته إلى الشام، فعاش فيها كما عاش في مصر مستظلاً بظل الظاهر فلما توفي الظاهر، لجأ ابن شداد إلى الملك السعيد ابن الظاهر بيبرس، فلقي منه ما كان يلقى من أبيه من رعاية وحفاوة وإكرام حتى أصبح وكيلاً له.

توفي ابن شدّاد ودفن في سفح جبل المقطم بالقاهرة بعيداً عن أهله ووطنه، ولكنه ترك أثراً لا يُمحى هو كتاب "الأعلاق الخطيرة"، والأعلاق جمع عَلَق وهو النفيس من كل شي . و"الخطير من الأمور" هو ماكان له شأن كبير وأهمية قصوى.

جعل ابن شدّاد حلب موضوع الجز الأول من كتابه لأنها كانت مسقط رأسه ومحل أنسه وناسه، وابتدأ بكتابة تاريخ حلب (الذي حققه يحيى زكريا عبارة) سنة 673هـ/1275م، واستغرق في كتابه تاريخ دمشق الجز الثاني (الذي حققه سامي الدهان) خمس سنوات متتالية على مدى الأعوام 674- 678هـ/1276-1279م، أما تاريخ الجزيرة (الذي حققه كذلك يحيى زكريا عبارة) فقد انتهى من وضعه سنة 679هـ/1280م والمرجح أنّ ابن شدّاد كان يكتب تاريخ الجزيرة وهو يكتب تاريخ دمشق، ويدلُّ على ذلك قول ابن شدّاد في تاريخ الجزيرة "واستمرّت رأس العين في يده إلى عصرنا الذي وضعنا في هذا التاريخ، وهو سنة خمس وسبعين ومئة".

يغلب الطابع التاريخي على كتابة "تاريخ الجزيرة"، فهو يذكر كل من تولّى الحكم في مدن الجزيرة من الأمرا والسلاطين ولاسيما ميافارقين وآمد وحصن كيفا وأرزن وماردين، ولكن هذا لم يمنعه من أن يتحف القارئ بين الحين والآخر بمعلومات قيمة تفيد  الدارس للآثار؛ فهو يصف حصن كيفا بأنه كهف على جبل عالٍ، تحف به جبال شاهقة من ثلاث جهاته خلا الجهة الشمالية التي يحف بها الشط، وبأن بالقلعة قصوراً ودوراً للسلطنة وغيرها وأبرجة مبنية بالحجر، وبأن للقلعة ميداناً أخضر وجامعاً، ولها ربض من جهة الشمال به الأسواق والحوانيت والمدارس والحمامات، وبها مدافن وترب للملوك من بني أرتق وبني مروان، وبه من المدارس ثلاث ومن الحمامات أربعة.

ويقدّم ابن شداد كذلك بعض المعلومات عن قلعة نجم[ر] التي كانت قديماً تعرف بجسر منبح، وأنها على شاطئ الفرات، وأنها سميت بقلعة نجم نسبة إلى غلام "نجمي الصفواني" بعد ثلاثمئة للهجرة. وأنها قلعة حسنة حصينة، ثم يذكر كل من ملكها حتى عهد الملك الظاهر الأيوبي سلطان حلب، والذي أقطعها سنة 613هـ/1216م لعتيقه الأمير بدر الدين أيدمر المعروف بوالي قلعة حلب، فزاد في عمارتها وبنى بها جامعاً كبيراً بديع البنا واسع الفنا وخاناً للسبيل، ووقف عليها أوقافاً مستمرة. أما كتابه تاريخ حلب وتاريخ دمشق فهو لاينصب فقط على أخبار الملوك والأمرا في حلب ودمشق، بل خرج المؤلف إلى بحث الواقع الطبوغرافي الذي يقوم عليه واقع البلد بالكشف عن تضاريسه وسهوله وأوديته وآثاره العمرانية وواقعه البشري، فالجز الأول من كتابه، يضم معلومات على درجة كبيرة من الأهمية لدارسي الآثار فهو يتكلم عن عمارتها وعدد أبوابها وبنا قلعتها والقصور القديمة فيها ومسجدها الجامع والمساجد التي بظاهرها وباطنها والمزارات والخانقاهات والمدارس والحمامات العامة والدور.

أفرد ابن شدّاد لسور حلب وأبوابها وقلعتها أبواباً خاصة، واعتمد في ذكر تاريخها على من سبقه من المؤرخين الذين أولوا حلب اهتمامهم، فإذا وصل إلى عصره، وأصبح شاهد عيان قدّم معلومات أوفى، فمثلاً يذكر أنّه عندما جدّد الملك الناصر صلاح الدين بن الملك العزيز محمد سور حلب بنى أبرجة جا كل منها يضاهي قلعة، وذلك سنة 642هـ/1244م، وأن هذه الأبراج كانت تمتد من باب الأربعين إلى باب قنسرين وذلك من شمالي حلب إلى قبليها، عدتها عشرون ونيف برجاً، وارتفاع كل برج فوق الأربعين .

وقد أفرد لمسجد حلب الجامع باباً خاصاً، ثم المساجد التي في باطن حلب وظاهرها والتي بين أبواب المدينة والتي بأرباض حلب، فكان يذكر أحياناً موقع المسجد ومن بنى المسجد وأحياناً تاريخ بنائه، كما ذكر ما بباطن حلب وظاهرها من المزارات والخانقاهات والربط، كما لم ينسَ أن يعدّد الخانقاهات التي للنسا .

وقد أفرد الباب الثاني عشر للمدارس في باطن حلب وظاهرها. فبدأ بالمدارس الشافعية ثم الحنفية والمالكية والحنبلية فكان يذكر اسم بانيها وأحياناً تاريخ بنائها، ثم كل من دّرس فيها حتى عهده. كما عدّد الحمامات العامة  فيها  وتلك التي في الدور.

نهج ابن شداد الأسلوب نفسه عند الحديث عن دمشق إلا أنه أخذ عن ابن عساكر[ر] أخذاً حرفياً أحياناً ومع شي من التصرف أحياناً أخرى، وأتمَّ صورة دمشق في وصفه وذكره لما بني في ذلك القرن الممتد من سنة 570هـ/1175م إلى سنة 674هـ/1276م، وزاد ابن شداد فصولاً لم يُلمَّ بها ابن عساكر كذكر القلعة والخانقاهات والربط والباب الخاص بالمدارس في دمشق، فالمدرسة بوصفها مؤسسة ثقافية إنما ازدهرت واشتهرت في بلاد الشام بد اً من أيام صلاح الدين،، فبلغ عدد المدارس 93 مدرسة، ذَكَر أسما ها ومواقعها وتاريخ بنائها أحياناً مع وصف لها ولمن تولّى التدريس فيها في الجز الخاص بدمشق من كتاب "الأعلاق الخطيرة".

مراجع للاستزادة:

- ابن شداد، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمرا الشام والجزيرة، تحقيق يحيى زكريا عبارة، الجز الأول، القسم الأول والقسم الثاني (دمشق 1991).

- ابن شداد، الأعلاق الخطيرة في ذكر أمرا الشام والجزيرة، تحقيق سامي الدهان، الجز الأول والجز الثاني الذي يختص بتاريخ دمشق (الذي أصدره بقسميه المعهد الفرنسي، الجز الأول 1956، والجز الثاني 1964).


التصنيف : آثار إسلامية
النوع : أعلام
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 56
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1035
الكل : 58492896
اليوم : 65410