logo

logo

logo

logo

logo

أولبيانوس

اولبيانوس

Ulpianus -

أولبيانوس

محمد الزين

 

دوميتيوس أولبيانوس Domitius Ulpianus أحد كبار الفقهاء السوريين في الحقوق الرومانية، كان من أبناء مدينة صور التي يفتخر بأنها كانت مسقط رأسه، وعاش فيما يسمى الدور العلمي الكلاسيكي للحقوق الرومانية في العصر الامبراطوري والذي كان مشبعاً بتعاليم المدرسة الرواقية Stoa وأفكارها، وتتلمذ مثل زميله باولوس Paulus على أيدي الفقيه السوري الكبير بابينيانوس Papinianusالذي لقب بأمير الفقهاء، وكان من أبناء مدينة حمص. وقد ترك هؤلاء العلماء ومن قبلهم غايوس Gaius آثاراً علمية ومؤلفات قانونية تكاد تكون المرجع الوحيد للحقوق الرومانية.

ومما يدل على عظمة هؤلاء الفقهاء السوريين أن المرسوم الامبراطوري الشهير الذي أصدره الامبراطوران ثيودوسيوس الثاني Theodosios II (408-450م) وڤالنتينيانوس الثالث Valentinianus III (424-455 م) عام 426م والذي عرف فيما بعد بقانون المرافعات يضع الفقهاء الخمسة (وهم غايوس وبابينيانوس واولبيانوس وباولوس ومودستوس) في المقام الأول، ويحظر على القضاة الاعتماد في أحكامهم على غيرهم.

لقد تم في زمن هؤلاء الفقهاء السوريين تأسيس معهد بيروت الحقوقي الذي أصبح أعظم المعاهد الحقوقية الرومانية، وحظي بمكانة علمية فريدة لم تدركها المعاهد الحقوقية في روما أو القسطنطينية وسواهما، وقد سماه الرومان (الأم المرضعة للحقوق Alma Mater)، وهو لقب لم يمنح لأي معهد آخر سواه في الامبراطورية.

لا يعرف الكثير عن حياة أولبيانوس وتأهيله ونشاطه الباكر، ولعله علّم في مدرسة بيروت الحقوقية قبل مجيئه إلى روما تلبية لدعوة الامبراطورة السورية جوليا دومنا [ر] Iulia Domna بعد وصول الأسرة السيفيرية إلى سدة الحكم (193-235م)، وهكذا انضم مع أستاذه بابينيانوس وزميله ورفيق دراسته باولوس إلى دائرة الامبراطورة جوليا دومنا والمشاركين في ندوتها الفكرية التي ضمت نخبة من رجال العلم والأدب والفلسفة.

وكان هؤلاء السوريون الثلاثة أشهر علماء عصرهم في الحقوق الرومانية، وقد صاروا بفضل كفاءتهم ومواهبهم من كبار رجال الدولة في عهد الامبراطور سبتيميوس سفيروس Septimius Severus ( 193-211 م) الذي كان شديد الاهتمام بالقوانين والعدالة، وكان يشارك في مناقشات المجلس الامبراطوري الذي يضمهم.

لقد عين أولبيانوس مساعداً لقائد الحرس الامبراطوري بابينيانوس الذي سقط ضحية تمسكه بالدفاع عن حقوق غيتا Geta ضد أخيه كركلا [ر] Caracallaالذي اغتاله ليستأثر بعرش الامبراطورية وحده، ومن ثم أمر بإعدام بابينيانوس. ويبدو أن أولبيانوس لم يكن ذا حظوة خلال حكم الامبراطور إلاجبال [ر] Elagabalus (218-222م)، ولكن عندما تولى ألكسندر سفيروس [ر] Alexander Severus عام222م عرش الامبراطورية وكان آنذاك في الرابعة عشرة من عمره كان أولبيانوس محل ثقته وعلى رأس مستشاريه؛ فقد تولى عدداً من المناصب الرفيعة مثل رئيس ديوان الالتماسات والشكاوى، ثم عين مشرفاً على التموين، وأخيراً تسلم قيادة الحرس الامبراطوري Praefectus Praetorio على مدى سبع سنوات، وكان يرسم مع أم الامبراطور جوليا مايسا Iulia Maesa الخطط السياسية والإصلاحات الإدارية والقضائية ومنها تأليف مجلس امبراطوري من أعضاء مجلس الشيوخ البارزين أنيط به اتخاذ كل القرارات المهمة في الدولة. ويبدو أنه لم يكن موفقاً في تعامله مع رجال الحرس الذين حاول الحد من جشعهم وتصرفاتهم، ولكنه سقط ضحية حزمه وحرصه على فرض النظام فقام رجال الحرس باغتياله عام 228م من دون أن يستطيع الامبراطور أن يفعل شيئاً للانتقام من قتلة الرجل الذي قضى حياته في خدمة الأسرة السيفيرية. ويروي المؤرخ ديو كاسيوس Dio Cassius خبر مقتله بأيدي جنود الحرس المتمردين بعد أن شقوا طريقهم ليلاً إلى القصر الامبراطوري الذي كان قد التجأ إليه بحضور الامبراطور ووالدته.

كان أولبيانوس غزير الإنتاج ويفوق أستاذه بابينيانوس في وضوح العبارة وسهولة الأسلوب والتفسير، وكان يميل إلى التجميع والتصنيف، ولكنه لم يكن ناقلاً أعمى، ومع أنه لم يضف جديداً إلى مؤلفات سابقيه إلا أن أحداً لا ينكر فضله في علم القانون. كان نشاطه الأدبي والفكري واسعاً وموسوعياً، فقد ألف ما ينوف على 250 كتاباً تضمنت شروحاً طويلة على المرسوم البريتوري الدائم Ad Edictum في 81 كتاباً، وكذلك شروحاً مستفيضة على القانون المدني في 51 كتاباً مع كثير من البحوث الإضافية في مختلف القوانين، فضلاً عن مؤلفات عامة للمشتغلين بالقانون تتضمن فتاوى ومناقشات وآراء مختلفة وكتباً مدرسية كالمبادئ والقواعد.

كما تناول أولبيانوس في بعض بحوثه القانون الإداري واختصاصات الحكام الرومان وواجباتهم، مثل سلطات القنصل والمحاسب وقائد حامية المدينة Praefectus Urbi والقناصل السابقين أي الولاة De Officio Proconsularis.

وقد لقيت مؤلفاته في العصور اللاحقة إقبالاً كبيراً بسبب طابعها الموسوعي وسهولة فهمها، واستعملت على نطاق واسع وعملت منها مختصرات مفيدة لطلاب الحقوق، وقد شكلت هذه المؤلفات معيناً ثراً استقى منه مصنفو مدونة جستينيان نحو2500 فقرة، وهكذا فإن ثلث هذه المجموعة القانونية - المسماةDigesta (أي المختار) أو (Pandectae) والتي صدرت عام533م بوصفها تتويجاً للقوانين الرومانية - مأخوذ من مؤلفات أولبيانوس فيكون بذلك أكثر الفقهاء ذكراً فيها، كما إن سدسها مقتبس من مؤلفات زميله باولوس، أي أن نصف المدونة يعود إلى هذين الفقيهين السوريين.

ومن فضائل هذا الفقيه العظيم أنه قال بما لم يجهر به إلا عدد قليل من الفلاسفة حين أعلن في ما يتعلق بالعبيد ومعاملتهم أن "الناس أكفاء بحكم قانون الطبيعة".

كما أنه رفع من شأن قانون الأمم والشعوب بالمبدأ القائل "إن ما بين الطبقات من فروق ومميزات أمور عارضة اصطناعية"، ويشهد له أيضاً بتعريف الحق الطبيعي وبأنه يتناول جميع المخلوقات من إنسان وحيوان إن الحق الطبيعي هو ذلك الحق الذي لقنته الطبيعة لجميع الموجودات الحية، وهو ليس خاصاً بالإنسان بل مشتركاً بينه وبين سائر الحيوانات التي تعيش في السماء والأرض والبحار، وهو يشتمل على صلة الذكر بالأنثى، وعلى التناسل وتربية الأولاد".

أما فيما يتعلق بسورية فإن أولبيانوس ذكر أسماء المدن السورية التي حصلت على حقوق مستعمرة Colonia إيطالية وامتيازاتها وعلى رأسها مدينته الأم صور التي نالت هذه المكانة من الامبراطور سبتيميوس سفيروس وأكدها فيما بعد ابنه كركلا، ومن هذه المدن أيضاً اللاذقية وحمص ودمشق وتدمر، ويبدو أن غياب عاصمة الولاية أنطاكيّة من هذه القائمة مرده إلى أن الامبراطور سبتيميوس سلبها امتيازاتها وحولها إلى قرية تابعة إدارياً لمدينة اللاذقية بسبب دعمها لمنافسه على العرش.

كذلك يتحدث أولبيانوس عن الجزية Tributum التي كان على السوريين دفعها إلى الرومان فيقول: "أن كل فرد من سكان سورية كان يؤدي هذه الضريبة: الرجال من سن الرابعة عشرة والنساء من سن الثانية عشرة وذلك حتى سن الخامسة والستين" ويؤكد أيضاً أنها كانت تجنى بمعدل 1%من قيمة ما يملكه

((Syriis a quattuor decim annis masculi,a duodecim feminae usque ad sexagesimum annum tributo Capitis obligantur)) Dig 50 /15/ 3

وبهدف جمع ضريبة الخراج على نحو دوري ومنظم قامت السلطات الرومانية بوضع نصاب خاص بالملكية بناء على لائحة إحصاء السكان التي حددت جمع الضريبة مع الأخذ في الحسبان المساحة التي يملكها الشخص.

وبهذا الخصوص يقول اولبيانوس: إنه كان يجب ذكر اسم قطعة الأرض واسم مالكها واسم المدينة التي تقع ضمن حدودها، وإلى أي عشيرة تعود، كما يتوجب ذكر اسم جارين من جيرانها، إضافة إلى ذلك يجب تحديد مقاييسها وعائداتها: مساحة الأرض المحروثة، ومتوسط كمية المحصول المتوقع جمعه خلال السنوات العشر القادمة، وعدد دوالي العنب في الكرم، ومساحة كرم الزيتون وعدد شجيراته وغير ذلك.

وهكذا يقدم أولبيانوس معلومات في غاية الأهمية عن الأوضاع السياسية والإدارية والمالية والاقتصادية في سورية خلال الحكم الروماني.

لقد وصل الفقه الروماني على يد أولبيانوس والفقهاء السوريين الآخرين إلى ذروته، وقد صاغه هؤلاء العلماء صياغة منطقية خالية من التناقضات، ولم يلبث هذا العلم

أن هوى بعدهم في غمرة الانحطاط والتكرار.

 

مراجع للاستزادة:

- محمد معروف الدواليبي، الوجيز في الحقوق الرومانية وتاريخها (الطبعة الرابعة، دمشق 1961).

- عبد اللطيف أحمد علي، مصادر التاريخ الروماني (بيروت 1970).

- G. DULCKEIT, F. SCHWARZ, Roemische Rechtsgeschichte, 5 Aufl., (Muenchen, 1970).


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1044
الكل : 58492757
اليوم : 65271